مسقط-أثير
إعداد: مبارك الشعيلي، محامٍ وباحث ماجستير بجامعة السلطان قابوس
الأمم المتحدة (The United Nation) هي منظمة عالمية أنشئت في عام 1945م وكانت تضم 51 عضوا عند بدايتها وتتكون الآن من 193 عضوا، وتعمل وفق ميثاق إنشائها وهو ميثاق الأمم المتحدة.
وتتكون منظمة الأمم المتحدة من عدد من الأجهزة، منها ستة أجهزة دائمة وهي: الجمعية العامة (General Assembly)، ومجلس الأمن (Security Council)، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي (Economic and Social Council)، ومجلس الوصاية (Trusteeship Council)، ومحكمة العدل الدولية (International Court of Justice)، وأخيرا الأمانة العامة (Secretariat).
وسيناقش هذا المقال مصدر قوة الإلزام الكامنة في قرارات مجلس الأمن، فمن أين تستمد قرارات مجلس الأمن القوة والشرعية -ونعني الشرعية القانونية- لتكون محل تطبيق حيث نشير في هذا المقال إلى مصدر هذه القوة ومن أين استمدت هذه شرعيتها، وماهية هذه القوة وكيف تُطبق على الواقع الذي نعايشه اليوم.
مصدر قوة قرارات مجلس الأمن:
للوصول إلى منبع هذه القوة لابد من الرجوع للأصل الذي نشأت منه وهو ميثاق الأمم المتحدة، وسنتناول بشيء من التحليل مجموعة النصوص الحاكمة لهذا الموضوع في الميثاق بما يخدم تبيان مصدر القوة. فبداية من الفصل الثاني والذي يتحدث عن العضوية، تضمنت المادة رقم (4) أن قبول انضمام أي دولة لمنظمة الأمم المتحدة يكون بناءً على قرار الجمعية العامة بتوصية من مجلس الأمن، وتتضح من هذا أحد صلاحيات مجلس الأمن، صلاحية قبول انضمام الدول للميثاق، إضافة إلى ذلك فعند وقوع إخلال جسيم من أحد أعضاء الميثاق فللجمعية العامة فصل هذا العضو بناءً على توصية من مجلس الأمن. يلي ذلك الفصل الخامس من الميثاق، ونتطرق لأحد أهم المواد في هذا الفصل وهي المادة رقم (24) والتي ينص بندها الأول: “رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة سريعاً فعالاً، يعهد أعضاء تلك الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائبًا عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات”. ومن الجدير بالذكر أن مناط هذا البند من المادة المشار إليها هو موافقة الأعضاء بأن مجلس الأمن هو النائب عنهم في مسائل حفظ الأمن والسلام الدولي ويكون مجلس الأمن مسؤولا عن اتخاذ الخطوات فيما يتعلق بهذا الشأن. يلي هذا النص المادة رقم (25) من الميثاق والتي نصها: “يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق”، وجاء النص واضحا بشأن تعهد الدول الأعضاء بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ويعد هذا مصدرًا واضحًا لقوة قرارات مجلس الأمن، فبموجب دخول الأعضاء للميثاق وبعد أن تصبح الدولة ضمن أعضاء منظمة الأمم المتحدة؛ تكون ملزمة بما أقرته على نفسها، فمصدر الإلزام بالنسبة للدول هو الإرادة التي تمثلت في موافقتها على الانضمام للأمم المتحدة. وكذلك ما جاء في المادة رقم (43) من الميثاق في الفصل السادس المعنون (في حل المنازعات حلا سلميا) أتى نص المادة: “لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي”، يستفاد من المادة السالف ذكرها أن مجلس الأمن من حقه أن يتفحص النزاع وبعد ذلك يُقرر إذا كان هذا النزاع يشكل خطرًا وتهديدًا للسلم والأمن الدولي أم لا، ويستنتج من ذلك أن مجلس الأمن مخوّل بتحديد ما هو التهديد أو الخطر الذي من شأنه المساس بالأمن الدولي بناءً على سلطته التقديرية دون ضوابط ومحددات واضحة تؤدي إلى تكييف الفعل تكييفًا دقيقًا. ونتناول أخيرا بعض ما جاء في الفصل السابع (فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان) فبداية من المادة رقم (39) والتي نصت: “يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه”، فهنا تأكيد آخر بأن مجلس الأمن هو من يحدد إن كان الحاصل هو فعل عدوان، فلمجلس الأمن قرار تحديد ما يعد تهديدا من غيره من الأعمال. وبالرجوع للمادة رقم (48) في البند الأول والتي جاء فيها الآتي: “الأعمال اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولي يقوم بها جميع أعضاء “الأمم المتحدة” أو بعض هؤلاء الأعضاء وذلك حسبما يقرره المجلس”، ويتبين لنا مجددا أن مجلس الأمن له صلاحيات إصدار قرارات ملزمة بموجب هذا الميثاق فالمادة السابقة تشير إلى ضرورة أن يلتزم الأطراف بتنفيذ ما يقرره مجلس الأمن في شأن حفظ السلم والأمن الدولي.
ماهية هذه القوة وكيف تطبق على أرض الواقع:
إن مصدر القوة الإلزامية للقرارات الصادرة من مجلس الأمن هي المعاهدة أو التوقيع على المعاهدة، فميثاق الأمم المتحدة عبارة عن معاهدة، والمعاهدة وفق ما جاء في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969 بأنها: “الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة”، ومن خلال التعريف السابق نشير إلى كلمة “الاتفاق”، والمصطلح الأخير بالضرورة يستوجب وجود طرفين أو أكثر ويكون لكل طرف الأهلية بمعناها الواسع، وعند تحقق ذلك -أي التقاء طرفين بكامل الأهلية والإرادة لإبرام المعاهدة- ينشأ الاتفاق المُلزِم بين أطرافه، فعند إبرام الدولة معاهدة تكون بموجب هذا الإبرام وبما أقرته على نفسها ملزمة بذلك، وعلى ضوء ما تقدم وما تمت الإشارة إليه سابقا يتبين لنا أن أعضاء منظمة الأمم المتحدة ملزمون بما جاء في ميثاق الأمم المتحدة والذي بدوره قد بين وحدد اختصاصات وصلاحيات مجلس الأمن، إذًا فما هذه القوة وكيف يتم تطبيقها على أرض الواقع؟ ولذلك لا بد من الإشارة إلى مصطلح “حق الفيتو” وهو مصطلح غير موجود في ميثاق الأمم المتحدة لكن درج استعماله، ويتجلى هذا المعنى في المادة رقم (27) من ميثاق الأمم المتحدة وتحديدا البند الثالث من المادة، والذي أكد أن المسائل في قرارات مجلس الأمن كافة -ماعدا المسائل الإجرائية- تكون من خلال اتفاق الأعضاء الدائمين وهي الدول الخمس، والجدير بالذكر أن القوة على المستوى الدولي والقرارات الصادرة من مجلس الأمن بعد إجماع الدول الخمس دائمة العضوية يكون تطبيقها مغايرا عن تطبيق القرارات على الصعيد الوطني، والاستجابة الدولية لهذه القرارات تأخذ شكلا مغايرا لما هو في القوانين الوطنية، ففي داخل الدولة على سبيل المثال يكون تطبيق قانون معين عبر السلطة التنفيذية، ومثال على ذلك رجال الشرطة، لكن على الصعيد الدولي لا توجد سلطة تنفيذية معنية بتنفيذ هذه القرارات.
ونتناول على ما سبق الإشارة له سلفا بعض التجارب على أرض الواقع:
القرار الذي أصدره مجلس الأمن للوقف التام للنار، وذلك في القرار رقم S/RES/2720(2023) ، وذلك في البيان الصحفي رقم SC/15546، في الاجتماع رقم S/PV.9520. بيّن القرار المشار إليه بضرورة التقيد بمبادئ الأمم المتحدة وحماية المدنيين، وكذلك الدعوة للإفراج الفوري للرهائن والحاجة الملحة لوصول المساعدات لكافة قطاع غزة، وقد أبدى مجلس الأمن قلقه من التأثير الذي تخلفه الحرب خصوصا على الأطفال والنساء، فملخص القرار السابق يشير إلى ضرورة وقف النار وإطلاق سراح الأسرى وعدم اغتصاب الأراضي الفلسطينية. ومن أحدث ما صدر في اجتماعات مجلس الأمن الذي كان بتاريخ 29/08/2024م S/PV.9715 ، والذي يتبين منه مدى سخط واستنكار المجتمع الدولي للأعمال والممارسات الحاصلة في قطاع غزة، فبالرغم من صدور القرار المذكور إلا أن الكيان المحتل ما يزال يمارس الانتهاكات وهو ما أشار إليه عدد من الدول منها جمهورية كوريا واليابان وسلوفينيا وسويسرا والصين وغيرها من الدول، فكل هذه الدول في مجلس الأمن أبدت استياءها من استمرار الانتهاكات في فلسطين بالرغم من قرار مجلس الأمن، وما زاد الموقف حدة هو عودة مرض شلل الأطفال في قطاع غزة ووفاة عدد كبير من الأطفال بسببه وهو ما يشكل قلقا في الوقت الراهن.
وختامًا، نلاحظ أن تأثيرات قرارات مجلس الأمن موجودة على أرض الواقع لكنها ليست بالآثار السريعة أو المباشرة؛ فالكثير من الدول التي لم تعترف سابقا بدولة فلسطين اعترفت الآن نتيجة الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني، ونتيجة لقرارات مجلس الأمن وسخط الشعوب وغيرها من المؤثرات التي تشكل ضغطا على الدول المنتهكة للقانون الدولي
مصدر صورة الموضوع: ath.re/3MLmfaM