أثير - شهد بنت هلال الحسنية باحثة ماجستير بجامعة السلطان قابوس - كلية الحقوق
تسعى معظم التشريعات العقابية المعاصرة إلى الحد من اكتظاظ السجون عبر تطبيق عقوبات غير سالبة للحرية، وهو ما أكدته “قواعد طوكيو” للأمم المتحدة، التي ركزت على تدابير غير احتجازية. تهدف هذه القواعد إلى زيادة مشاركة المجتمع في نظام العدالة الجنائية ومعاملة المجرمين، مع تعزيز الشعور بالمسؤولية لديهم تجاه المجتمع.
تُعد عقوبة الخدمة المجتمعية من أبرز العقوبات البديلة التي تُنفذ خارج السجون، وقد عرفها الفقه الجنائي بأنها “إلزام الشخص المحكوم عليه بأداء أعمال معينة لخدمة المجتمع دون مقابل خلال المدة التي تحددها المحكمة أو النيابة العامة، وفقًا لما ينص عليه القانون”. ورغم أن المشرع العماني أوردها كعقوبة تكميلية، إلا أن التشريعات الأخرى عدتها عقوبة بديلة، كما في القانون البحريني المادة (٣) من قانون العقوبات والتدابير البديلة رقم (١٨) لسنة (٢٠١٧) الذي عرّف “العمل في خدمة المجتمع” على أنه تكليف المحكوم عليه، بموافقته، بالعمل لصالح إحدى الجهات دون مقابل، بما لا يزيد عن سنة وبمعدل لا يتجاوز ثماني ساعات يوميًا.
تعكس الخدمة المجتمعية مجموعة من الأنشطة التي تختلف بحسب التشريع، مثل حماية البيئة وصيانة المرافق العامة وتقديم خدمات اجتماعية وإنسانية. على سبيل المثال، حددت الإمارات هذه الأعمال بقرار من مجلس الوزراء رقم (٤١) لسنة (٢٠١٧)، وتضمنت ”١- حفظ أو تحفيظ ما تيسر من القرآن، ٢- الخدمة في مراكز رعاية أصحاب الهمم، ٣- الخدمة في دور رعاية المسنين...“.
أما في التشريع العماني، فقد وردت عقوبة الخدمة المجتمعية ضمن العقوبات التبعية والتكميلية في قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/2018). تنص المادة (57) على أن العقوبات التبعية والتكميلية تشمل الحرمان من بعض الحقوق، ومنع الإقامة في مكان معين، وأداء خدمة عامة. لكن هذه العقوبات لا تُفرض منفردة، وإنما تأتي إلى جانب العقوبة الأصلية، حسبما نصت المادة (56) من نفس القانون.
ومن الأمثلة على تطبيق هذه العقوبة في عمان ما قضت به المحكمة الابتدائية بالدقم، حيث حكمت على المتهمين بجنحة مقاومة موظف عام بالسجن ثلاثة أشهر، مع تنفيذ شهر واحد فقط وتغريمهم 300 ريال عماني، إلى جانب إلزامهم بتنظيف الشواطئ لمدة أربع ساعات يوميًا طوال مدة العقوبة.
على عكس التشريعات العمانية، فإن معظم القوانين المقارنة تتيح تطبيق الخدمة المجتمعية كبديل للسجن، ما يسمح للقاضي بتكليف الجاني بأداء خدمة عامة عوضًا عن عقوبة الحبس.
إضافة إلى ذلك، تضمن قانون مساءلة الأحداث الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (٣٠/٢٠٠٨) عقوبات بديلة في المادة 15 تحت مسمى “تدابير الرعاية” ومن ذلك: ”... أ- تسليم الحدث إلى أي من الآتي ذكرهم ممن تتوفر فيه الضمانة الأخلاقية واستطاعة القيام برعايته.... ب- توبيخ الحدث وتحذيره. ج- منع الحدث من ارتياد أماكن معينة...“. وفي المادة رقم (٢٠) المتعلقة بتدابير الإصلاح، كالآتي: " ب– الوضع تحت الاختبار القضائي. ج – الإلحاق بالتدريب المهني. د– الإلزام بواجبات معينة...“، وهي بذلك تُعتبر عقوبة بديلة مستقلة لا تشترط صدور حكم بعقوبة أصلية كالسجن أو الغرامة، كما هو الحال في قانون الجزاء، فعلى سبيل المثال قضت المحكمة الابتدائية بالدقم (محكمة الأحداث) في إحدى القضايا ”بإدانة الحدث الجانح بجنحة السرقة ليلًا وجنحة نشر ما من شأنه المساس بالآداب والأخلاق العامة وقضت المحكمة بإلزامه بحفظ خمسة أجزاء من المصحف الشريف خلال سنة“.
من هنا، يبدو أن تبني عقوبة الخدمة المجتمعية في التشريع العماني كنظام بديل مستقل، بما يتماشى مع نجاحها في التشريعات الأخرى، سيحقق المصلحة العامة. فقد أوصت الأمم المتحدة في قرارها الصادر في 18 ديسمبر 2014 بالحد من اكتظاظ السجون واللجوء إلى بدائل الحبس، وهو ما يدعو إلى تعزيز التشريعات بما يخدم رؤية عمان 2040 التي تركز على الرفاه والحماية الاجتماعية