مسقط-أثير
إعداد: مريم بنت سعيد الشعيلية، باحثة ماجستير في القانون الجزائي بكلية الحقوق في جامعة السلطان قابوس
اتجهت السياسة الجنائية في علم العقاب إلى إيجاد طرق حديثة محققة لأغراض العقوبة، والمتمثلة في العقوبات البديلة، حيث تضمن إعلان فيينا بشأن الجريمة والعدالة والناتج عن مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة المنعقد في10-17 أبريل سنة2000 توصية رقم (26) والتي نصت على:" نعلن التزامنا بإعطاء الأولوية للحد من تزايد عدد السجناء واكتظاظ السجون بالمحتجزين قبل المحاكمة أو بعدها من خلال ترويج بدائل مأمونة وفعالة للحبس حسب الاقتضاء”.
تعرف العقوبات البديلة على أنها الإجراءات والتدابير غير السجنية، والتي تحقق غرض العقوبة المتمثلة في إصلاح المتهم وتأهيله اجتماعيًا ليصبح عضوًا فعالًا في المجتمع.
وقد عرفها جانب من الفقه الجنائي على أنها: " مجموعة من البدائل التي يتخذها القاضي تتمثل في إبدال عقوبة السجن بخدمة يؤديها السجين لفئة من فئات المجتمع، أو لموقع خيري، أو الالتحاق بمرفق تعليمي يستفيد منه السجين بهدف إصلاحه وحمايته من الأذى وتقديم خدمة لمجتمعه”.
وتتمتع العقوبات البديلة بذات خصائص العقوبة التقليدية، بيد أن يكمن الاختلاف بينهما في أن للعقوبات البديلة أهمية كبيرة في نظام العدالة الجنائية، حيث لها دور فعال في إعادة تأهيل المتهمين دون التركيز على العقاب والانتقام فقط، وتسهم العقوبات البديلة في تقليل اكتظاظ السجون، وبالتالي تقليل التكاليف المالية على الدولة.
كما تؤدي دورا في إتاحة الفرص للمحكوم عليهم للمشاركة في مختلف البرامج التعليمية والمهنية التي تعزز فرصة إعادة إدماجهم في المجتمع وتقليل معدلات تكرار الجريمة. بالإضافة إلى ذلك، تعمل العقوبات البديلة على تخفيف الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمحكوم عليهم، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي ويحسن العلاقات الاجتماعية.
ومن بين العقوبات البديلة التي تقرر عند تنفيذ العقوبة هي الإفراج تحت شرط، وقد نظمت العديد من الأنظمة القانونية المختلفة الإفراج الشرطي وإن اختلفت في مسماه، فمثلا أطلق عليه المشرع العماني الإفراج تحت شرط أسوة بالتشريع المصري والإماراتي والكويتي والقطري واليمني، وأطلق عليه المشرع الجزائري في قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين بالإفراج المشروط (المادة134)، بينما وصفه المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية المغربي بالإفراج المقيد بشروط (المادة622)، والمشرع التونسي أطلق عليه بالسراح الشرطي في مجلة الإجراءات الجزائية التونسية (المادة 353).
ويعرف الإفراج تحت شرط بأنه نظام استثنائي يقصد به الإفراج عن المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انقضاء المدة المحكوم بها بواسطة السلطة المختصة، إذا ما توافرت القواعد والشروط المنصوص عليها في القانون والتزام المحكوم عليه بالإجراءات التي يفرضها عليه القانون خلال مدة العقوبة المتبقية.
وفي الحقيقة، اختلفت الاتجاهات في التكييف القانوني للإفراج تحت شرط والذي له الأهمية في تحديد السلطة المختصة بمنحه، فقد اتجه البعض إلى اعتباره عملا إداريا لأنه يتضمن تعديلا في المعاملة العقابية كمكافأة لحسن سيرة المحكوم عليه داخل المؤسسة العقابية مثل التشريع المصري الذي عده من اختصاص مدير عام السجون في المادة (53) من قانون تنظيم السجون المصري، وكذلك التشريع العماني الذي جعله من اختصاص مدير عام السجون بعد موافقة لجنة يصدر تشكيلها بقرار من المفتش العام للشرطة والجمارك وفقا للمادة (309) من قانون الإجراءات الجزائية، بينما اتجه آخرون إلى اعتباره عملا قضائيا لمساسه بالقوة التنفيذية للحكم وتعديله ولا يجوز ذلك إلا من قبل السلطة القضائية.
وللإفراج تحت شرط خصائص ممثلة في كونه ليس إنهاء للعقوبة، كما أنه إجراء معلق بشرط وليس إفراجا نهائيا، وهو إجراء تقديري وليس حقا للمحكوم عليه، وأنواعه وفقا للتشريع العماني تتمثل في الإفراج العام تحت الشرط الذي يصدره المدير العام للسجون (المادة 309 إ.ج)، والإفراج لدواعٍ صحية الذي نظمته المواد (56، 57) من قانون السجون والمادة (41) من اللائحة التنفيذية لقانون السجون حيث يصدر بقرار من المفتش العام للشرطة والجمارك بعد موافقة اللجنة الطبية، وكذلك الإفراج تحت شرط عن الحدث المحكوم عليه والذي تنظمه المواد (4،46،47) من قانون مساءلة الأحداث رقم 30/2008نم، حيث يجب أن يقضي الحدث الجانح نصف مدة العقوبة المحكوم وأن يكون حسن السلوك أثناء تنفيذ العقوبة داخل دار الإصلاح ويصدر من المحكمة بناء على طلب من الادعاء العام أو الحدث الجانح أو أحد والديه أو وليه أو المؤتمن عليه أو المراقب الاجتماعي.
واشترط المشرع العماني مجموعة من الشروط اللازم توافرها قبل الإفراج العام تحت شرط عن المحكوم عليه وذلك في المواد (309، 310) من قانون الإجراءات الجزائية، والمتمثلة في كون الحكم الصادر ضد المحكوم عليه حكما نهائيا، وأن يكون المحكوم عليه قد قضى في السجن ثلثي مدة العقوبة المحكوم بها بشرط ألا تقل عن تسعة أشهر، بالإضافة إلى حسن سلوك المحكوم عليه داخل المؤسسة العقابية ووفائه بكافة الالتزامات المالية المحكوم بها، وألا يشكل الإفراج عنه خطرًا على الأمن العام.
وهناك شروط تم النص عليها في المادة (52) من قانون السجون يجب الالتزام بها عند تنفيذ الإفراج العام تحت شرط، والتي تكمن في حسن سلوك المحكوم عليه وعدم اتصاله بأصحاب السوء والسعي إلى إيجاد عمل مشروع للتعيش به، والإقامة في الجهة التي يختارها ما لم يقيده قرار الإفراج بجهة معينة، وألا يغير محل إقامته إلا بعد إخطار مركز الشرطة المختص، ويجب عليه تقديم نفسه إلى مركز الشرطة التابع للبلد الذي انتقل إليه فور وصوله، ويشترط أن يقدم نفسه إلى مركز الشرطة في المواعيد المحددة لذلك.
وبالنظر إلى بعض التشريعات المقارنة، نجد المشرع الأردني لم يأخذ بنظام الإفراج الشرطي وإنما أخذ بنظام الإفراج المطلق ويقصد به إطلاق سراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انتهاء المدة المحكوم بها دون أي شرط إذا ثبت حسن سيرة وسلوك المحكوم عليه داخل المؤسسة العقابية، فقد نصت المادة (34) من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل الأردني على أن: ”على مراكز الإصلاح والتأهيل اتخاذ الترتيبات اللازمة لتشجيع النزلاء على تحسين سلوكهم لتمكين النزيل المحكوم عليه بالحبس مدة شهرا أو أكثر أو بالاعتقال أو بالأشغال الشاقة من الإفراج عنه إذا قضى ثلاثة أرباع مدة محكوميته“. كما نظم المشرع الجزائري الإفراج المشروط في قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين (مادة 134) كعقوبة بديلة عند تنفيذ العقوبة إذا أثبت المحكوم عليه حسن سلوكه واستقامته.
أخيرا، وفق المشرع العماني بتنظيمه للإفراج تحت شرط باعتباره مكافأة للمحكوم عليه بتوافر الشروط السابقة واللاحقة على الإفراج تحت الشرط التي يفرضها القانون، ونوصي المشرع العماني بتنظيم العقوبات البديلة في فصل مستقل في القانون الجزائي لتقوم مقام العقوبة السالبة للحرية لدورها الفعال في الإصلاح والإدماج الاجتماعي.