أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
عرفت سلطنة عمان خلال تاريخها التعليمي الحديث العديد من الشخصيات التربوية البارزة التي أسهمت في تطور عملية التربية والتعليم في مختلف المجالات سواءً من خلال دورهم في مجال المدارس التقليدية التي انتشرت في كافة أنحاء عمان، أم من خلال عملهم كإداريين ومعلمين في المدارس الحديثة القليلة التي عرفتها عُمان منذ مطلع القرن العشرين، سواءً كانت هذه الشخصيات عمانية أم من أبناء الدول العربية الذين قدموا للإسهام في هذه النهضة التعليمية.
ويعد المعلم والمربّي والأستاذ كاتم بن تيسير بن فرحان أحد هذه الكوادر التربوية المهمة الذين أسهموا بإخلاص في تنشئة جيل متعلّم متسلّح بأخلاقيات المواطنة الصالحة على مدى أكثر من (40) عامًا متواصلة منذ بداية عمله كمعلم في المدرسة السعيدية بصلالة في مايو 1936م وحتى تقاعده، علمًا بأن هذا الدور المهم لم يتوقف حتى وفاته مطلع تسعينيات القرن الماضي.
“أثير” تقدم من خلال هذا التقرير شذرات من السيرة العطرة المهمّة لهذه الشخصية التي اقتربت من السلطان سعيد بن تيمور، وتبوأت أعمالًا إدارية عديدة.
شخصيته ونشأته
هو المرحوم الأستاذ كاتم بن تيسير بن فرحان بن حمود التيسيري ولد في١٣ أغسطس١٩١٢م في حي الحصن بمحافظة ظفار لأسرة عملت مع سلاطين عمان وتولت بعض المسؤوليات الإدارية والعسكرية.
وبسبب بعض الاضطرابات السياسية التي شدتها ظفار خلال تلك الفترة، فقد انتقلت أسرة كاتم بن تيسير إلى مسقط في زمن السلطان فيصل بن تركي؛ لذا فقد التحق كاتم في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين بمدرسة (بوذينة)، وهو عالم تونسي يدعى محمد بن علي بو ذينة كلفته الحكومة القيام بالتدريس لعدد من البنين والبنات في منزل استؤجر لهذا الغرض وأصبح يعرف فيما بعد بمدرسة بوذينة، وكان يدرّس قبلها في مدرسة الزواوي منذ قدومه مهاجرًا من تونس في عهد السلطان تيمور، وكانت تدرّس في هذه المدرسة المواد: القرآن الكريم، واللغة العربية، والتاريخ، والجغرافيا، والحساب، واستمر التدريس بها حتى افتتاح المدرسة السلطانية الأولى، وكان من ضمن زملائه في هذه المدرسة السلطان سعيد بن تيمور الذي ارتبط معه بعلاقة وطيدة والتحق فيما بعد بالخدمة الإدارية في عهده.
عمل الأستاذ كاتم بن تيسير قبل التحاقه بالسلك التعليمي من خلال المدرسة السعيدية، في دائرة الجمارك بصلالة، ثم التحق في عام 1936م بالمدرسة السعيدية في عامها الأول من افتتاحها في عهد السلطان سعيد بن تيمور.
ولم تكن (السعيدية) هي المدرسة الأولى في ظفار، فإذا ما استثنينا المدارس التقليدية (الكتاتيب) التي كانت منتشرة في أغلب المدن والأحياء، فإنه كانت هناك إشارة إلى إنشاء مدرسة حديثة خلال النصف الأول من عقد الثلاثينيات الميلادية، ففي الأول من أبريل عام 1933 تقرر سفر السلطان سعيد بن تيمور إلى ظفار، وطلب السلطان من إسماعيل بن خليل الرصاصي الذي كان مديرًا للمدرسة السلطانية الأولى قبل إغلاقها في عام 1932، مرافقته في تلك الرحلة قائلًا له بحسب ما أشار الرصاصي في مذكراته: " الأفضل أن تأخذ مستخدمًا لخدمتك ولديك أعمالٌ كثيرة تقوم بها هناك“.
ويذكر الرصاصي أنه وقف على بناء مدرسةٍ هناك، وهي مدرسة سابقة لظهور المدرسة السعيدية بصلالة عام 1936، حيث أسّسها وشرع في التدريس فيها. كما أشرف على حفريات منطقة (البليد) الأثرية التي يذكر الرصاصي أنه كان بها حصنٌ قديم وبناؤه قديم.
المدرسة السعيدية بصلالة
تعد هذه المدرسة أول مدرسة للبنين حملت اسم (السعيدية) قبل افتتاح المدرسة السعيدية بمسقط في عام 1940، والمدرسة السعيدية في مطرح في عام 1959، وقد مرّت المدرسة بمراحل تاريخية بحسب المبنى والمعلمين، وقد شهدت المدرسة افتتاحها من قبل السلطان سعيد بن تيمور في شهر مايو من عام 1936م، وكان موقعها الأول داخل السور الثاني من الحصن بين حارات النويدرة والسجن، حيث بدأت بثلاثة فصول، ثم انتقلت في عام 1951 إلى خارج سور الحصن بجوار حارة البنزين وكان للمدرسة باب رئيس كبير يسمى (السدّة) من جهة الجنوب، وباب آخر صغير من الشمال، وباحة واسعة تتوسط المدرسة مفتوحة إلى السماء، وفناء داخل المدرسة مرتبط بغرف المدير والمعلمين والصفوف الدراسية، وكانت تتكون من ثلاث غرف، خصصت واحدة منها للطلاب الصغار والثانية ضمت الكبار، وأما الغرفة الثالثة فقد استخدمت كمخزن .
وكان الأستاذ كاتم بن تيسير بن فرحان، من أقدم المدرسين الذين عملوا بالمدرسة منذ افتتاحها، وقد ظل يعمل بها طوال مراحلها الثلاث، زامل خلالها العديد من المعلمين والإداريين من ظفار وخارجها الذين التحقوا بالعمل ضمن الطاقم الإداري والتدريسي.
أدوار تربوية متعددة
عدا عن دوره كمعلم ومربٍّ من خلال عمله في المدرسة السعيدية بصلالة، فقد كان للأستاذ كاتم بن تيسير أدوار تربوية مجتمعيّة مهمّة، وذلك من خلال قيامه بالتدريس للعديد من أبناء صلالة بشكلٍ عام، ومنطقة الحصن التي كان يسكن فيها بشكلٍ خاص، حيث افتتح مدرسة خاصة بها، فيذكر الباحث عمير بن الماس العشيت وكان أحد تلامذته: " كنت واحدًا من الذين درسوا عند الأستاذ كاتم في الكتاتيب والمدرسة، وهو يتسم بالوقار في شخصيته، وعندما تلتقي به أول مرة تشعر أنك التقيت به مرات عديدة، وهو من أبرز الشخصيات وأقدم المعلمين في ظفار، ومتواضع ومحب لكل الناس، ومقدام على فعل الخير، ورجل صريح ولا يبالغ في الأمور“.
ويذكر الأستاذ عمر العشيت بأن الأستاذ كاتم سكن في حارة النويردة (المستشفى) بحي الحصن في السكة الوسطية، وفتح في منزله غرفة لتعليم الأطفال ما تسمى بالكتاتيب، حيث كان يتطوع لتدريس الأطفال في فترة الظهيرة من الساعة الواحدة إلى الثالثة ظهرًا كونه مرتبطًا خلال الفترة الصباحية بعمله في المدرسة السعيدية.
أما في فترة الخريف فيذكر الأستاذ عمر العشيت بأن الأستاذ كاتم كان يستغل الإجازة المدرسية الطويلة في التدريس للطلاب من الساعة الثامنة صباحًا إلى الساعة الثانية عشرة ظهرًا، وكانت حصص التدريس تشمل تعليم القرآن الكريم، وهي حفظ السور الأولى من جزء عم، ثم تعليم اللغة العربية قراءةً وكتابة، والعمليات الحسابية الأربع، وبين الحصتين استراحة مدتها خمس دقائق.
وفاته
توفى الأستاذ والمربّي كاتم بن تيسير في فبراير من عام 1991م عن عمرٍ يناهز الثمانين عامًا بعد حياةٍ طويلة قضاها في أشرف مهنة ألا وهي مهنة التدريس، حيث تخرّج على يديه أجيال عديدة أسهمت في خدمة هذا الوطن من خلال مجالاتٍ عديدة، وما يزال العديد من طلابه يذكرونه ويذكرون العديد من صفاته الجميلة، وتشجيعه الدائم لهم.
المراجع
- أرشيف أسرة معالي حفيظ بن سالم الغساني، نقلًا عن حساب نزار بن حفيظ الغساني على موقع التواصل الاجتماعي(X)، https://x.com/alghassani600
- العريمي، محمد بن حمد. الوالي إسماعيل، دار باز، مسقط، 2022
- العشيت، عمير بن الماس. منطقة الحصن في ظفار ذاكرة وطن، ط2، بورصة الكتب، القاهرة، 2024.
- صفحة باسل اليافعي في موقع التواصل الاجتماعي (X)، @AlyafaiBasil، 11 نوفمبر 2022.
- مقيبل، سالم بن عقيل. بحث بعنوان (المدرسة السعيدية بظفار 1936-1971)
- وزارة التربية والتعليم، البوابة التعليمية، https://home.moe.gov.om/module.php?m=pagesshowpage&CatID=16&ID=33