فضاءات

مقال من أكاديمي: قانون التجارة العُماني في الميزان

قانون

أثير- د. محمد أبو زيد، أستاذ مساعد القانون الخاص في كلية الحقوق بجامعة السطان قابوس

من المعلوم أن دور القانون يتمثل في حماية حقوق الأفراد وتوجيه سلوكهم لتعزيز السلم الاجتماعي ورفع لواء العدل بين المواطنين وصولا لحالة الرضا المجتمعي، وتحويل السياسات والأهداف العامة للدولة إلى قواعد تشريعية فاعلة تدعم مسار التنمية وتفتح الأفق أمام الجميع نحو مستقبل أفضل. لذلك يجب أن تصاغ القوانين صياغة جيدة متناسقة منسجمة مع بعضها بعضا فى إطار يحقق سهولة التطبيق دون غموض أو لبس يخرجها من مضمونها، أو قصور يحول دون تحقيق الغرض الذي من أجله تم إصدار القانون، وهذا يتحقق بأن تصاغ القوانين وفقا لمنهج واضح يترجم الإستراتيجيات والتوجهات إلى نصوص قانونية مكتملة الأركان من خلال فكر مبتكر، وصياغة محكمة وملائمة ومنضبطة وواضحة المعالم. وفي ١١ يوليو سنة ١٩٩٠م تم إصدار قانون التجارة العماني بالمرسوم السطاني رقم 55 لسنة 1990 وتم نشره في الجريدة الرسمية عدد رقم (٤٣٥) الصادر في ١٥ / ٧ / ١٩٩٠م وتم العمل به بعد ستة أشهر من تاريخ نشره.

وقد كان لِقِدَم إصدار قانون التجارة العماني أثر على التنظيم القانوني للموضوعات التي نظمها، حيث بإفراغها على كفتي ميزان التحليل الفقهي والنقد البنَّاء وصولا إلى نصوص قانونية متوافقة مع الفلسفة القائم عليها الفكر القانوني لدى فقه القانون التجاري، بان لنا أن المشرع التجاري العماني قد ساير في بعض مواده فلسفة التشريعات المقارنة منها المصري والإماراتي في بعض الموضوعات، بيد أنه لم يصل بهذه المسايرة حتى النهاية، فضلا عن مخالفته في تنظيم بعض الموضوعات الأخرى إما مُقصرا أو مُتزيدا أو ساهيا غير متعمد.

ففي تنظيمه للأعمال التجارية؛ تبنى المشرع سياسة السرد على سبيل المثال التي تبناها سائر المشرعين التجاريين، إلا أنه خالف بعض المشرعين في بعض الأحكام، فوضع تعريفا للعمل التجاري، ولم يفرق بين الأعمال التجارية المفردة وعلى سبيل الاحتراف. كما قرر سريان قانون التجارة على التزامات الشخص الذي يعد العقد مدنيا بالنسبة له، أخيرا لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الممارسات التجارية الإلكترونية، بالرغم من ذيوع التجارة الإلكترونية وتقنينها في العديد من التشريعات المقارنة.

وفي تنظيمه للتاجر؛ توجد بعض النصوص المنظمة له تعد تزيدا لا مبرر له، والبعض الآخر فيه تعارض مع أحكام قانون السجل التجاري العماني، وخروج في البعض الآخر منها على حكم القواعد العامة بشأن القانون واجب لتطبيق على مسائل الأهلية، وأخيرا اتسمت بعض نصوصه بعدم الدقة في صياغتها.

وفي تنظيمه للواجبات المفروضة على التجار؛ ألزم التاجر بإمساك الدفاتر التجارية واتبع معيارا مرنا بشأن هذا الالتزام مسايرا في ذلك غالبية التشريعات المقارنة، غير أن المشرع العماني لم يستكمل مسايرته لتلك التشريعات وخرج على ذلك في العديد من المسائل. كما ألزم التجار بالقيد في السجل التجاري، مقررا أن السجل التجاري ينظمه قانونه الخاص به، وهذا مؤداه أن تنظيم التزام التاجر بالقيد في السجل التجاري خاضع كلية لأحكام قانون السجل التجاري، ومع ذلك لم يساير المشرع العماني هذا التحليل ونظم بعض الموضوعات الخاصة بهذا الالتزام على نحو ترتب عليه وجود تعارض بين قانون التجارة وقانون السجل التجاري في هذا الشأن.

وفيما يخص الالتزام بالامتناع عن المنافسة غير المشروعة فلم يضع قانون التجارة العماني رقم 55 لسنة 1990 تعريفا للمنافسة غير المشروعة، وإنما اقتصر على تعداد خمس صور للأفعال والممارسات التي تُعد كذلك، كما جاء بنص يفهم منه أنه لا يشترط أن يكون المخالف الذي أتى بفعل من أعمال المنافسة غير المشروعة تاجرا، ومثل هذا النص سيثير مشاكل عملية وقانونية في بعض الأحوال. وأخيرا فقد أعفى المشرع العماني بعض طوائف التجار من التقيد بالواجبات التي يلتزم بها التجار، بيد أن هذا الإعفاء يعد اعفاءً مبتورا منقوصا ومن شأنه إثارة المشاكل القانونية والعملية في بعض الأحوال.

وأخيرا في تنظيمه للمتجر من حيث تعريفه والعناصر المكونة له؛ فقد استخدم المشرع العماني بعض الألفاظ والمصطلحات القانونية في تعريفه للمتجر، والتي من شأنها إثارة الغموض واللبس ومخالفة التشريعات المقارنة في هذا الشأن. كما أنه لم يذكر صراحة أن بعض العناصر المعنوية التي يتكون منها المتجر تعد من قبيل العناصر الأساسية التي لا وجود للمتجر بدونها أيا كانت طبيعة نشاطه مخالفا بذلك أيضا التشريعات المقارنة ويتسم موقف المشرع بالقصور عن تنظيم المتجر الإلكتروني أو الافتراضي، فلم يكن من بين نصوصه أي معالجة لمثل هذه المتاجر التي أصبحت من أمور الواقع المسلم بها.

تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أننا على موعد ميلاد قانون جديد للمعاملات التجارية ويحدونا الأمل مغلفا بالثقة في المشرع العماني أن يأتي تنظيمه على نحو يعالج ويكمل أوجه القصور في قانون التجارة الحالي، وأن يساير فيه الواقع والتشريعات المقارنة ذات الصلة، وأن يتنزه عن أوجه التزيد غير المبررة في بعض المسائل.

Your Page Title