الأولى

بالصور: نقوش وأبيات شعر على أبواب عُمانية

أبواب عُمانية

أثير- تاريخ عمان

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

تحفل سلطنة عمان بالعديد من الشواهد المادية الأثرية التي تعد دليلًا مهمًا على مدى عراقة تاريخ هذا البلد، وإبداع أبنائه في مختلف المجالات، ولعل زيارة قصيرة إلى إحدى الحارات العمانية من شأنها أن تكشف عن جوانب عديدة من ملامح ذلك الإبداع المعماري والفني.

وخلال زيارتي الأخيرة إلى محافظة الداخلية حرصت على الوقوف على بعض الشواهد الأثرية في ولايتيّ نزوى والحمراء، وبالأخص حارة (العقر) العريقة في نزوى، وحارة (الحمراء) القديمة، حيث قمت بالتجوال في تلكما الحارتين، وتعرّفت إلى مجموعة من المعالم التاريخيّة المهمّة، ودوّنت عددًا من الملاحظات والمشاهدات.

حارة العقر:

أثناء تجوالي في حارات العقر الداخلية المنسجمة مع معالم التطوير الحديثة التي أعادت إحياء بعضٍ من روح هذه الحارة العريقة التي شهدت بروز أسماء مهمة في العديد من المجالات، وأسهمت في صنع جانبٍ مهم من التاريخ العماني، وبينما أنا أمارس الدهشة ممّا أراه حولي من معالم تدل على روعة إبداع الصانع العماني، إذ بي أقف أمام بابٍ يتصدّر مدخل أحد البيوت الأثرية التي يعود إنشاؤها إلى عهد اليعاربة، وغير بعيدٍ عن مسجد ( الشواذنة) العريق، وألمح أبياتٍ شعرية كتبت على جانبٍ منه استدعت معرفة كلماتها إلى إيقاف أحد المرشدين السياحيين الذي تطوّع بكل أريحية إلى قراءة تلك الأبيات التي يحفظها عن ظهر قلب كما يحفظ سكك وحارات وبيوت العقر الكثيرة، فكانت الأبيات كالآتي:

كتابي في الباب المسوّا المحبّرِ ... لستٍّ تبقّت من ربيع المؤخّرِ

لثالثةٍ تتلو الثمانين حجّةٍ ... وألفٍ يوافي في الحسابِ المقرّرِ

بدولةِ سلطان بن سيف بن مالكٍ ... إمام البرايا اليعربيّ المظفّرِ

لقاضي الإمام الأريحيّ محمدٍ ... فتى بن عبيدان الفقيه المحبّرِ

تردّا رداء العلم والحلم والحجى ... بالعفاف مؤزّرِ

ونجّارهُ عبد الإله أخو النُّهى ... سليل سنانٍ ذو الصفيّ المشهّرِ

وهناك إشارة من خلال الأبيات السابقة إلى تاريخ صنع الباب الذي يوافق يوم 24 ربيع الثاني 1083هـ الموافق 19 أغسطس 1672م، وقد تم بناؤه في عهد الإمام سلطان بن سيف الأول اليعربي، وهو مصنوع للقاضي محمد بن عبدالله بن جمعة بن عبيدان أحد أبرز علماء عمان في ذلك الوقت والذي تولى القضاء للإمام سلطان بن سيف اليعربي، والنجّار الذي قام بصنع هذا الباب هو عبدالله بن سنان.

البيت الذي يضم الباب الموجودة به الأبيات الشعرية
صورة للباب الذي كتبت عليه الأبيات الشعرية
الأبيات الشعرية كما تبدو منقوشة على الباب

حارة الحمراء:

في اليوم التالي، وأثناء زيارتي إلى ولاية الحمراء، وقيامي بالتجوال في حاراتها القديمة التي تعبّر عن إرثٍ تاريخيّ معماريّ مهم يتمثل في بيوتها التاريخية العديدة التي شيّدت على مراحل زمنية مختلفة، برفقة الشيخ حمود بن محسن بن زهران العبري، والصديق الباحث محمد بن عبدالله البرطماني، وبينما نقف أمام غرفة المؤونة في (بيت الصفاة) الأثري الذي يعد أحد أبرز البيوت التي تتزيّن بها مدينة الحمراء التاريخية ، والذي بُني من الطين الممزوج بالتبن والصاروج في عهد الإمام سيف بن سلطان اليعربي – قيد الأرض-، وأشرف على بنائه الشيخ العلّامة محمد بن يوسف العبري، بهدف أن يكون مقرّا لإدارة بلدة الحمراء، وليكون منطقة تجمع علمية ودينية، وسُمي بهذا الاسم؛ لأنه بُني على صخرة مستوية ملساء كقاعدة له، ويتميز بتعدد طوابقه وارتفاع بنيانه والزخرفة والنقوش على الجدران والأسقف والأبواب وإبداع في الهندسة المعمارية.

أقول، وبينما كنّا نقف أمام باب بيت المؤونة، إذ شدّتني أبياتٍ شعرية احتلّت واجهته ومؤرخةً للسنة التي صُنِعَ فيها الباب 1101 هجرية، ومثبتةً اسم (الصانع: محمد بن راشد)، والآمر بالتصنيع: الشيخ محمد بن يوسف بن طالب العبري.

تقول الأبيات:

لقد صنع البــاب الحكـيم محـمد ... فتى راشد هو الحكيم الممجد

لعــشـر قـد خـــلون وليلـة بــذي ... القعدة المعروف شهـر محـدد

في مـائة حـول وألــف تكامـلـت ... وعام علـى مرّ الحساب يردد

لوالي إمام المسلمين ابن يوسف ... فتى طالـبٍ ذاك الرضـى محمد

وتشير الأبيات السابقة كما في باب حارة العقر، وكما في أبواب عمانيّة عديدة، إلى اسم الصانع الذي يدعى محمد بن راشد، واسم المشرف على صناعة الباب وهو الشيخ محمد بن يوسف بن طالب العبري، وإلى تاريخ السنة التي تم فيها صناعة الباب وهي 11 ذي القعدة عام 1101هـ، الموافق 16 أغسطس 1690م.

باب غرفة المؤونة في بيت الصفاة بالحمراء
الأبيات الشعرية المنقوشة على الباب
الأبيات الشعرية المنقوشة على الباب

ولعل من أبرز الملاحظات التي يمكن استنتاجها من خلال النموذجين السابقين: مدى المهارة التي امتاز بها الصانع والحرفي العماني خلال تلك الفترة، وكذلك مدى الثقافة الأدبية العالية التي امتلكها، بدليل بقاء هذه الأبواب بعد مرور أكثر من (300) عام على صنعها، وجمالية النقوش، والأبيات الشعرية المكتوبة على تلك الأبواب.

ويبدو كذلك أن كتابة البيانات التوثيقية الخاصة بتلك الأبواب والبيوت كانت سمة مميّزة لفن الصناعة خلال تلك الفترة، وهذا ما لاحظناه من خلال أبواب أخرى في حارات عمانية عديدة، وكذلك الكتابات والنقوش الموجودة على أدوات أخرى كالأسلحة، والأواني، والبيوت، وغيرها.

كما تعد مثل هذه الكتابات من الشواهد القليلة المهمة التي تبرز اسم الصانع العماني الذي غاب في ظل رغبة بعض كبار القوم في البروز، فهناك العديد من المعالم والآثار والشواهد التي لا يُعرَف صانعها ومهندسها، وتنسب إلى الشخص الذي أمر بإنشائها، وهكذا ضاعت أسماء العديد من المهندسين، والحرفيين، والصنّاع العمانيين البارزين.

وأخيرًا تدل مثل هذه الإبداعات على مدى التقدم والرخاء الذي شهدته فترة الدولة اليعربية بدليل كثرة الإنجازات الحضارية، والمعالم المادية الأثرية التي شهده ذلك العصر.

المراجع:

  • أبو عون، ناصر. بيت الصفاة.. مَجْدٌ عُمانيٌ يتكئ على خَاصِرةِ التَّاريخِ، جريدة الشبيبة،21 يناير 2018.
  • مجلة الذاكرة، العدد الأول، مركز ذاكرة عمان، مارس 2019.
Your Page Title