أثير- د. محمد بن حمد العريمي
حرصت الحكومة منذ اليوم الأول لنهضة 23 يوليو 1970م على الاهتمام بجميع النواحي التي تهم المواطن والمجتمع، ومن بينها التعليم، فكانت وزارة التعليم ضمن أوائل الوزارات التي أنشئت في التشكيل الوزاري الأول يوم 16 أغسطس 1970م، وتسارعت الجهود لافتتاح المدارس تحت كل شجرةٍ وحجر، ولم يقتصر التعليم على النشء فقط، بل تعداه إلى كبار السن ممن لم تتح لهم الفرصة لتلقي العلم الحديث في السنوات التي سبقت النهضة؛ لذا وضعت وزارة التربية والتعليم في الحسبان هذه الفئة، وافتتحت لها المراكز المختلفة من أجل محو أميتهم.
ولم تقتصر جهود محو الأمية على مجرد افتتاح مراكز وصفوف وتقديم جرعات تعليمية، بل تعداه إلى عددٍ من الأنشطة والبرامج من بينها مشروع رائد ظهر مع بداية عقد الثمانينيات من القرن العشرين، وارتكز على إقامة مراكز ثقافية يستفيد منها المتخرجون من برامج محو الأمية، مع طباعة عدد من السلاسل التاريخية، والاجتماعية، والعلمية التي تسهم في توسيع مداركهم الفكرية، وتعريفهم بتاريخ بلدهم، وربطهم بما درسوه من قواعد ومهارات في القراءة والكتابة، ألا وهو مشروع “مكتبة الراشدين” الذي سنتعرف إلى أبرز ملامحه وأهم العناوين التي أصدرها من خلال هذا التقرير، وقد اعتمدنا في إعداد مادته على تقرير كانت قد أعدته جريدة عمان في أحد أعدادها في عام 1981م، وكذلك على ما تم ذكره في مقدمة بعض إصدارات السلسلة.
بدء المشروع
بدأ المشروع في عام 1980م تحت إشراف وزارة التربية والتعليم من خلال عشرة مراكز موزعة على عشر قرى في أنحاء سلطنة عمان، وتم تشكيل لجنة فنية مكونة من دائرة محو الأمية في وزارة التربية والتعليم، وخبير اليونسكو للتخطيط التربوي والتعليم غير النظامي، لمتابعة تنفيذ المشروع ووضع برنامج للتقويم.

أهداف المشروع
هدف المشروع إلى توفير عدد مناسب من الكتيبات التي تتوافق من حيث الموضوع والإخراج والطباعة مع احتياجات الكبار الذين تحرروا حديثًا من الأمية، بما يساعدهم على ممارسة مهارات القراءة وتعزيزها. كما سعى المشروع إلى إتاحة فرص التعليم المستمر من خلال تقديم موضوعات متنوعة تشمل الجوانب العلمية، والمهنية، والقومية، والتاريخية، والزراعية، والصحية، وغيرها من المجالات المرتبطة بحياة الكبار، بما يُسهم في زيادة فعاليتهم وكفاءتهم كأعضاء فاعلين في المجتمع لهم دور إيجابي في عملية التنمية.
وسعى المشروع كذلك إلى إيجاد جو ثقافي وبيئة محفّزة لنمو المعرفة وتوسيع آفاق المتعلمين، وذلك عبر توفير مواد قرائية مناسبة تكون في متناول الكبار وتشكل محورًا لنشاط ذاتي منظّم داخل مكتبات الراشدين المنتشرة في القرى أو مراكز القراءة، ولا يقتصر دور “مكتبة الراشدين” على نقل المعرفة بشكل أحادي الاتجاه، بل تتيح للمتعلمين التفاعل والمشاركة الفاعلة من خلال كتابة آرائهم وخطاباتهم، والإسهام في تحرير موضوعات صحف الحائط داخل مراكز القراءة، بما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويكرّس دورهم كمشاركين في الفعل الثقافي والاجتماعي.
أبعاد مشروع “مكتبة الراشدين”:
اتخذ مشروع “مكتبة الراشدين” أبعادًا متعددة لمواجهة التحديات التي تظهر بعد محو الأمية، ولضمان استمرار عملية التعلّم وتنمية المهارات المكتسبة، ومن أبرز هذه الأبعاد: توفير كتب مناسبة من خلال إعداد مجموعة من الكتب المبسطة في موضوعاتها وإخراجها، موجهة للكبار العمانيين المتحررين حديثًا من الأمية، وتتناول موضوعات علمية، وصحية، وقومية، وغيرها من الموضوعات ذات الصلة بحياتهم اليومية.
وكذلك تنشيط الفعل الثقافي من خلال تنظيم مسابقات معرفية بين الدارسين والمعنيين حول موضوعات هذه الكتب، وعقد ندوات ثقافية ودورات تدريبية يُدعى إليها مختصون في المجالات المختلفة، لتوسيع مدارك الدارسين وتعميق استفادتهم من المواد القرائية.
بالإضافة إلى توفير مراكز اطلاع واستعارة من خلال تأسيس مراكز قراءة واستعارة تُعرف باسم “مكتبة الراشدين”، وقد تُقام هذه المراكز في المدارس، أو القرى، أو الأندية، أو الجمعيات النسائية، وتُفعّل هذه المراكز من خلال تشكيل مجموعات للقراءة والاطلاع والاستماع والمناقشة، ويُسمح لأفرادها باستعارة الكتب أو الاطلاع عليها داخل المكتبة؛ ما يوجِد جوًا تفاعليًا يدعم التعلم الذاتي والعمل الجماعي.
إصدارات المكتبة
بحسب التقديم الموجود على صفحات مطبوعات تلك السلسلة بقلم معالي وزير التربية والتعليم وقتها الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري، فإن هذه السلسلة التي هي إحدى ثمار الجهود المشتركة بين المختصين في مشروع اليونسكو التربوي ودائرة محو الأمية وتعليم الكبار في وزارة التربية والتعليم وقتها، تعد أول مكتبة متكاملة للقراءة الحرة صممت خصيصًا للمواطن العماني الراشد لتكون مصدرًا متجددًا للمعارف، ونبعًا متصلًا ينهل منه كل من يرغب في الاستزادة من العلم، وتعد حلقة أساسية تصل بين المتخرجين في فصول محو الأمية وبين مصادر القراءة العادية في المجتمع.
وهي بما تقدمه من موضوعات تاريخية واجتماعية وعلمية تعمل على ترسيخ عادات القراءة والاطلاع. كما تعمل على نشر الوعي بدور عمان المجيد في التاريخ، وتقدم للقارئ حاضرها المشرق، وتبشر بمستقبلها الزاهر، وتعمل على زيادة الوعي العلمي والصحي والاجتماعي.
وقد صدر من هذه السلسلة مجموعة من العناوين هي: عمان في العصور القديمة، وصفحات مشرقة من تاريخ عمان، ورسائل وبرقيات، وعمان عند ظهور الإسلام، والماء والحياة، وصحتك، والسلامة، وشخصيات عمانية، والزراعة في عمان، وأثر العرب في النهضة العلمية الحديثة، والعمانيون في شرق أفريقيا، وأمجاد عمان البحرية، وعالم الحشرات، والوراثة والحياة، والغذاء والصحة، وأسرة خلفان.



التوسع
تم افتتاح فرع لمكتبة الراشدين في السويق في يناير 1982م، وفي مارس من العام نفسه افتتحت ثمانية فروع لمكتبة الراشدين بالمناطق التعليمية.
المراجع
- جريدة عمان. مكتبة الراشدين أول مكتبة للقراءة الحرّة صممت للعماني الراشد، 1981.
- أرشيف مكتبة المناهل. الباحث حمد بن حميد النعماني، الأفلاج، ولاية المضيبي.
- مجلة النهضة. مكتبة للراشدين لمنفعة المستفيدين من محو الأمية، 20 سبتمبر 1980