أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
في مثل هذا اليوم قبل حوالي (31) عامًا، أي في 24 سبتمبر عام 1994م، شهدت قاعة المؤتمرات بجامعة السلطان قابوس افتتاح أعمال ندوة “عُمان في التاريخ " تحت رعاية صاحب السمو السيد فيصل بن علي بن فيصل آل سعيد وزير التراث القومي والثقافة وقتها، وبحضور عدد من أصحاب السمو، والمعالي، والسعادة، والباحثين، والطلاب.
وقد تم تنظيم الندوة خلال الفترة من 24 إلى 27 سبتمبر 1994، بالتزامن مع عام التراث العماني، وأشرف على تنظيمها وزارة الإعلام بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية الإدارية والأكاديمية، وتضمنت الندوة بحوثًا قيّمة حول جوانب مختلفة من تاريخ وثقافة عُمان.

هدفت الندوة التي أتت تزامنًا مع عام التراث العماني إلى إبراز تاريخ عمان بمختلف عصوره لتكون نبراسًا للأجيال القادمة، تجسيدا لاهتمام السلطان قابوس بالتراث العماني، وكمنت أهميتها في الحفاظ على التراث، حيث كانت مبادرة مهمة للحفاظ على التراث العماني وتوثيقه، وكذلك الإسهام في تعزيز الهوية الوطنية من خلال إبراز تاريخ البلاد وكنوزها، وتعزيز الوعي التاريخي، حيث أتاحت الفرصة لتعميق فهم التاريخ العماني لدى الأجيال المتعاقبة.

حفل الافتتاح
تضمّن حفل افتتاح الندوة عددًا من الفقرات من بينها كلمة السيد فيصل بن علي راعي حفل الافتتاح التي رحّب فيها بالمشاركين، وثمّن المبادرة الكريمة من الحكومة ممثلة في وزارة الإعلام للإعداد للندوة. كما أكّد أن عقد الندوة هو تكريسٌ لاتجاهٍ ينطلق من الشعور بأهمية التاريخ لتمكين الشخصية العمانية من الاحتفاظ بأصالتها وخصوصيتها المتميزة، وأشار إلى الجهد الكبير الذي تبذله سلطنة عمان في تجميع المصادر والمخطوطات والاستعانة بالمؤرخين الثقاة لإعادة صياغة ما كُتِب عن عمان ليكون في متناول الجميع.

كما ألقى معالي عبد العزيز بن محمد الروّاس وزير الإعلام وقتها كلمةً تحدّث فيها عن مضامين الندوة ورسالتها، وثمّن الجهد الكبير الذي بذله الباحثون المشاركون في خدمة تاريخ جزءٍ مهم من الوطن العربي الكبير.
وأكد في كلمته أن انعقاد الندوة يأتي في إطار عام التراث العماني حيث خصصت سلطنة عمان عام 1994 لإحياء هذا التراث والكشف عن مكنوناته للأجيال الحاضرة، والربط بين الماضي والحاضر. كما أكّد أن النهضة العمانية تتخذ من التراث ركيزةً لها، ومن العلم والتقنية المعاصرة منهاجًا.
ثم بدأت فعاليات الندوة عبر جلساتها التي استمرت لمدة أربعة أيام خلال الفترة من 24-27 سبتمبر.


شارك في الندوة (86) باحثًا من (19) دولة عربية وعالميّة قدّموا أكثر من 50 بحثًا تناولت جوانب مختلفة من تاريخ عمان الحضاري السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والفكري، موزّعة على عدّة جلسات صباحيّة ومسائية طوال فترة تنظيم الندوة.
ومن بين المحاور المهمة التي تناولتها الندوة: علاقة عمان بالحضارات الأخرى فيما قبل الميلاد، ونشأة الدولة العمانية منذ ما قبل الإسلام، ودور عمان في نشر الإسلام، والصلات التجارية العمانية مع حضارات العالم المختلفة، وعمان في عهد دولة اليعاربة، وعمان في عهد الدولة البوسعيدية، وتاريخ عمان المعاصر.


وقد نجحت الندوة في إثارة الكثير من الجدل حول قضايا تاريخية وحضاريّة ارتبطت بالدور العماني في منطقة الخليج وفي العالم، واستطاعت بأبحاثها ودراساتها المعمقة في بلورة أحداث حقب تاريخية هامة، وهو الهدف الذي توسمته الندوة منذ البداية.

تغطيات صحفية
اهتم عدد من الصحف المحلية والعربية بفعاليات الندوة وأوراق عملها، فعلى الصعيد المحلي تابعت صحيفة “عمان” على سبيل المثال الاستعدادات المقامة لتنظيم الندوة وأبرز الجهود المبذولة في سبيل ذلك، كما خصّصت تغطية يومية لفعاليات الندوة سواءً من خلال أخبار الصفحة الأولى التي تناولت حفل الافتتاح، وختام الندوة، أو من خلال الملحق اليومي الذي قدّم رصدًا لأوراق العمل والتعقيبات المرتبطة بها، وكذلك رصد أبرز الأخبار الخاصة بالندوة.


وعلى المستوى العربي فقد أشارت جريدة الأهرام التي أفردت الموضوع في صفحة “شؤون عربية” إلى مشاركة عدد (22) باحثًا مصريًا من المتخصصين في التاريخ والشؤون العمانية، كما أوردت صحيفة “المساء” المصرية فقرات من كلمة معالي وزير الإعلام التي ألقاها في حفل الافتتاح، وركّزت صحيفة “الأخبار” على تحليل كلمة معالي وزير الإعلام.

كما تناولت صحيفة “الاتحاد” الإماراتية أخبار الندوة وفعالياتها من خلال عدّة تغطيات صحفيّة خلال الأيام التي أقيمت فيها الندوة، وركّزت تلك التغطيات على رصد كلمات حفل الافتتاح ومضامينها، وعرض موجز لأبرز العناوين البحثية التي تم تقديمها.



كتاب عمان في التاريخ
قامت وزارة الإعلام بتجميع خلاصة البحوث وأوراق العمل التي قدّمت في “ندوة عمان في التاريخ”، حيث تم دمج المعلومات المكرّرة، وإعادة تبويبها ومن ثم نشرها في كتاب حمل ذات عنوان الندوة وصدر في عام 1995.

وقد انقسم كتاب “عُمان في التاريخ” إلى خمسة أبواب، يضم كل باب منها جانبًا محددًا من ملامح التاريخ العُماني، فقد ركّز الباب الأول على الظواهر الجغرافية والبنية البشرية، من حيث موقع عمان، وسكّانها، واقتصادياتها، ومكونات الجغرافيا السياسية لعمان وأثرها، بينما تناول الباب الثاني الحقب المبكرة من تاريخ عُمان، أما الباب الثالث فتناول أوضاع الدولة منذ بزوغ فجر الإسلام وحتى زمن الرحّالة ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي.
وركّز الباب الرابع على شخصية لُمان من مختلف الجوانب التاريخية، مبرزًا الدور الكبير الذي أدّته الإباضية في تشكيل المجتمع العُماني، إلى جانب التعريف بعدد من المظاهر الحضارية كالعمارة والتقاليد البحرية.
أما الباب الخامس فقد تناول تاريخ عمان خلال دولتي اليعاربة والبوسعيد، وهي الفترة الحديثة والمعاصرة من تاريخ عمان، حيث تطرّق إلى مرحلة تأسيس دولة اليعاربة وجهود الإمام ناصر بن مرشد في توحيدها، ثم استعرض نشأة الدولة البوسعيدية وتطورها حتى بزوغ فجر النهضة العمانية الحديثة.
