تاريخ عمان

أُنشئ قبل 44 عامًا: ماذا تعرف عن أول مجلس برلماني في تاريخ النهضة العمانية الحديثة؟

المجلس الاستشاري للدولة

أثير- د. محمد بن حمد العريمي

في19 من ذي الحجة 1404هـ الموافق 18 أكتوبر 1981م، صدر المرسوم السلطاني رقم (84/81) الذي قضى بإنشاء المجلس الاستشاري للدولة، وذلك بهدف تعزيز مشاركة المواطنين في مسيرة التنمية الوطنية من خلال إنشاء مجلس استشاري للدولة يُسهم في دعم جهود الحكومة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

المرسوم السلطاني الخاص بإنشاء المجلس الاستشاري

وقضى المرسوم بأن يُنشأ مجلس يُسمى المجلس الاستشاري للدولة، يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، ويكون مقره في العاصمة مسقط، ويتكون المجلس من 17 عضوًا من القطاع الحكومي، و28 عضوًا من القطاع الأهلي، ويشترط في العضو أن يكون عُماني الجنسية، لا يقل عمره عن 30 سنة، ومن ذوي الخبرة والكفاءة، وتُحدد العضوية لمدة سنتين قابلة للتجديد، ويُعين الأعضاء بمرسوم سلطاني، يختار جلالة السلطان رئيس المجلس ونائبيه.

جانب من أعضاء المجلس خلال الفترة الأولى. كتاب عمان منذ الأزل

وتألف المجلس من جهازين رئيسيين: المكتب التنفيذي الذي تولى متابعة أعمال المجلس ووضع جدول أعمال الجلسات، والأمانة العامة التي كانت تشرف على الجوانب الإدارية والتنظيمية والمالية للمجلس.

جريدة عمان. الاثنين 19 أكتوبر 1981م

أهداف المجلس

هدف المجلس إلى إبداء الرأي في القوانين الاقتصادية والاجتماعية النافذة في سلطنة عمان، واقتراح ما يلزم لتطويرها، ودراسة خطط التنمية الحكومية واقتراح ما يراه مناسبًا لتحسينها واستكمالها، واقتراح الإجراءات والسياسات الداعمة للإنتاج الوطني ورفع كفاءته، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، ومناقشة القضايا المشتركة بينهما، إبداء الرأي في الموضوعات الأخرى التي يُحيلها إليه جلالة السلطان.

مرسوم سلطاني

أهمية المرسوم

مثّل المرسوم السلطاني رقم (84/81) الصادر في 18 أكتوبر 1981م نقطة تحول مهمة في تاريخ سلطنة عُمان السياسي والإداري، إذ شكّل انطلاقة أولى نحو تأسيس الحياة الشورية المؤسسية في الدولة الحديثة التي أرسى دعائمها السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه-.

وجاء هذا المرسوم استجابةً للتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها سلطنة عمان في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، ورغبةً في تعزيز مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار الوطني عبر مجلس استشاري يجمع بين ممثلي القطاعين الحكومي والأهلي.

صورة لإحدى جلسات المجلس الاستشاري للدولة في قصر الضيافة بالغبرة. حساب "مجلس الشورى" في موقع إكس

كما كان لإنشاء المجلس أبعاد اقتصادية واجتماعية عديدة حيث منح المجلس دورًا إستراتيجيًا في دعم الخطط التنموية الوطنية ومناقشة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، كما أتاح الفرصة لرجال الأعمال والخبراء من القطاع الأهلي للمشاركة في رسم السياسات العامة، ما عزز الانسجام بين رؤية الدولة وطموحات المجتمع، والإسهام في تطوير بيئة التشريع الاقتصادي عبر اقتراحات لتعديل القوانين بما يتناسب مع مراحل النمو المختلفة.

إحدى جلسات المجلس الاستشاري خلال دورته الأولى. نقلًا عن صفحة مجلس الشورى الإلكترونية

كما دل إنشاء المجلس على القيادة الإصلاحية المتدرجة للسلطان قابوس، حيث اعتمد مبدأ “التطور المرحلي الهادئ” في بناء مؤسسات الدولة، من الاستشارة إلى الشورى، وصولًا إلى المجلسين الحاليين (الدولة والشورى)، حيث شكّل إنشاء المجلس قاعدة تأسيسية لما عرف لاحقًا بـمجلس الشورى (1991م) ثم مجلس الدولة (1997م)، لتكتمل بذلك أركان مجلس عمان في صورته الحديثة.

إحدى جلسات المجلس الاستشاري في الفترة الرابعة. نقلًا عن صفحة مجلس الشورى الإلكترونية

وقد أثبتت التجربة أن هذا المجلس كان خطوة إستراتيجية نحو ترسيخ نهج الشورى في سلطنة عمان، وتحقيق التوازن بين ثوابت النظام السلطاني ومتطلبات المشاركة الوطنية.

معالي السيد سالم بن ناصر البوسعيدي يلقي خطابًا في افتتاح الفترة الثالثة. نقلًا عن صفحة مجلس الشورى الإلكترونية

خطاب السلطان قابوس بن سعيد بمناسبة افتتاح المجلس الاستشاري للدولة (3 نوفمبر 1981م)

بدأ السلطان خطابه بحمد الله تعالى، ثم أعلن افتتاح المجلس الاستشاري للدولة تحقيقًا للوعد الذي قطعه للمواطنين، مؤكدًا أن هذه الخطوة تأتي ضمن سياسة الدولة في توسيع المشاركة الشعبية في إدارة الشؤون الوطنية. هذا الافتتاح لم يكن إجراءً شكليًا، بل تحوّلًا مؤسساتيًا يترجم مبدأ الشورى من مفهومٍ تقليدي إلى ممارسة عملية في الدولة الحديثة.

كما شدّد على أن المجلس يهدف إلى توسيع مشاركة المواطنين في صياغة الخطط الاقتصادية والاجتماعية للدولة: “استمرارا لسياستنا الرامية إلى إتاحة قدر أكبر من المشاركة للمواطنين في الجهود التي تبذلها الحكومة...”.

وأكّد أن المجلس إطار لجهد مشترك، يجمع الرأي الرسمي والخبرة المجتمعية: “يتناول بالدراسة أهداف وأبعاد خططنا الإنمائية... ولهذا كان حرصنا على تمثيل القطاعين الحكومي والأهلي معا في هذا المجلس”، كما دعا إلى معالجة الأولويات والمعوقات في تنفيذ الخطط التنموية وفق منهج علمي واقعي، وشدّد -طيّب الله ثراه- على أن التجربة العمانية في الشورى والتنمية تنطلق من الواقع المحلي لا من استنساخ تجارب الآخرين: “نرفض التقليد، ونرفض الأخذ بمذاهب وأنظمة الطفرة، ونؤثر أسلوبنا الواقعي في التفكير والتطبيق...”.

وعكس الخطاب فلسفة السلطان قابوس القائمة على التطور المرحلي المتزن، بعيدًا عن القفزات السياسية غير المدروسة، فهو يؤكد أن “كل خطوة مدروسة بعد قناعة تامة”، في إشارة إلى أن المجلس الاستشاري هو مرحلة تمهيدية للشورى المؤسسية.

كما جسّد الخطاب التوازن بين الأصالة والمعاصرة؛ شورى تستلهم القيم الإسلامية وتواكب متطلبات الدولة الحديثة: “أن تكون كل تجاربنا وأعمالنا نابعة من صميم واقعنا العُماني، ومتوائمة مع القيم والتقاليد السائدة في مجتمعنا الإسلامي”.

وعبّر السلطان عن رؤية تقوم على الشراكة بين المواطن والدولة في حماية المنجزات والتنمية: “اتخذنا منذ البداية سياسة تقوم على الترابط الوثيق بين الحكومة والمواطن في الاضطلاع بمسؤولياتنا وواجباتنا تجاه وطننا الحبيب”.

وأبرز الخطاب اعتزاز السلطان قابوس بالإنجازات التي تحققت خلال 11 عامًا من النهضة، ودعوته إلى الاستمرار على ذات النهج بروح العمل والبذل والعطاء، وبذلك، فإن الخطاب يمثل الأساس الفكري والتنفيذي لتجربة الشورى العمانية المؤسسية.

جريدة عمان. 4 نوفمبر 1981م

تطور المجلس

نظّم المرسوم السلطاني رقم (86/81) أحكام النظام الداخلي للمجلس الاستشاري للدولة، حيث كفلت أحكام هذا النظام للأعضاء حرية التعبير عن الرأي داخل المجلس، ولمسؤولي الحكومة الحضور أمام المجلس أو لجانه بناءً على طلبهم أو بناءً على دعوة المجلس لإلقاء بيان أو إيضاح عن سياسة الوزارة أو الحكومة.

وفي تطور لاحق ومع بداية الفترة الثانية للمجلس وبموجب المرسوم السلطاني رقم (61/83)، تم زيادة أعضاء المجلس الاستشاري للدولة إلى خمسةٍ وخمسين عضوًا، منهم: 19 يمثلون القطاع الحكومي، و36 يمثلون القطاع الأهلي.

مرسوم سلطاني رقم 61\ 83

وقد تضمن خطاب السلطان قابوس بمناسبة العيد الوطني العشرين بتاريخ 18 نوفمبر 1990م إشادةً بدور المجلس حيث قال: " لقد كان إنشاء المجلس الاستشاري للدولة تجربةً متميزة نابعة من صميم واقعنا العماني، أتاحت للمواطن قدرًا كبيرًا من المشاركة في جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم بها الحكومة، وأعطت أمثلة بارزة لما يمكن أن تقدمه هذه المشاركة من إسهام إيجابي وفعّال في بناء وتنمية البلاد“.

رؤساء المجلس

توالى على رئاسة المجلس الاستشاري عددٌ من الشخصيات المهمة، ويعد معالي خلفان بن ناصر الوهيبي (1981 – 1983م) أول رئيس للمجلس الاستشاري بعد صدور المرسوم، حيث قاد مرحلة التأسيس وبناء الهياكل التنظيمية، تلاه معالي حمود بن عبدالله الحارثي (1983 – 1985م) الذي تولى تطوير عمل اللجان وتوسيع نطاق القضايا التي يناقشها المجلس، ثم معالي السيد سالم بن ناصر البوسعيدي (1985 – 1987م) الذي ركّز على تفعيل التواصل بين المجلس والجهات الحكومية في القضايا الاقتصادية، ومعالي الشيخ عبدالله بن علي القتبي (1987 – 1991م) الذي قاد المرحلة الختامية للمجلس الاستشاري، التي مهدت مباشرة لتأسيس مجلس الشورى في عام 1991م.

كما شغل الشيخ أحمد بن محمد النبهاني (1981 – 1991م) منصب الأمين العام للمجلس طوال فترة عمله، وأسهم في التنظيم الإداري وتوثيق أعمال المجلس.

رؤساء المجلس

تفاعل الصحافة

تفاعلت الصحافة المحلية والعربية مع تأسيس المجلس الاستشاري للدولة وعدّته خطوة مهمة في مجال الشورى وتمثيل المجتمع المحلي وإشراكه في رسم السياسات العامة للدولة. ونعرض هنا لنماذج من تغطيات بعض الصحف والمجلات العربية لقرار إنشاء المجلس الاستشاري:

جريدة الرأي الأردنية. الثلاثاء 20 أكتوبر 1981م
جريدة القبس الكويتية. الأربعاء 21 أكتوبر 1981

المراجع

  • الفارسي، صالح بن سليمان. ملامح من تطور النظام الإداري في سلطنة عمان، ط3، سلطنة عمان، 2020
  • موقع “قانون” الإلكتروني. https://qanoon.om/
  • أعداد متفرقة من جريدة “عمان”.
  • - الموقع الإلكتروني لمجلس الشورى العماني. https://www.shura.om/
Your Page Title