أثير – إعداد: خالد بن سالم المريكي – محامٍ، وباحث ماجستير في القانون الجزائي بجامعة السلطان قابوس.
كثير ما يتداول في الوسط الاجتماعي مصطلح غسل الأموال والذي يكاد نسمعه في حياتنا اليومية بشكل متكرر من بعض طوائف المجتمع، كأن يتم رمي سين من الناس بذلك المصطلح نتيجة ما شوهد عليه من تغيير مفاجئ في ذمته المالية (التغير في وضعه المادي)، بحكم قيامه مثلاً وكما ذكرنا بشكل مفاجئ بشراء مركبة فارهة أو شراء عقار بقيمة عالية أو شراء غير ذلك من الأموال سواءً المنقولة منها أو غير المنقولة، الأمر الذي يجعل بعض الأشخاص المحيطين به والمطلعين على أحواله الظاهرة بأن ينسبوا له ذلك الأمر نتيجة ما لديهم من معلومة (قد تكون ناقصة وقاصرة) عن هذا الشخص بأنه غير قادر على شراء ما قام بشرائه بتلك الطريقة المفاجأة، وذلك الرمي بلا شك ناتج عن عدم فهم هذا المصطلح (غسل الأموال) ونقص الوعي لدى تلك الفئة من الناس، لذا فإننا بصدد تبيان المفهوم العام لهذا المصطلح لعموم الفائدة بين أطياف المجتمع ممن هم على غير دراية بمضمونه، وذلك بهدف تجنب رمي الأخرين بذلك المصطلح الذي ولو فعلاً قام الشخص به لعُد مرتكباً لجريمة يعاقب عليها القانون، ألا وهي جريمة غسل الأموال، وفي المقابل من ذلك فإن رمي الأخرين بذلك المصطلح (فُلان يغسل أو غاسل للأموال) دون التحقق من صحة الشيء يجعل من أتى بذلك القول مرتكباً لجريمة القذف التي يعاقب عليها قانون الجزاء 7/2018م أو غيره من القوانين الخاصة إن تم الإتيان بذلك القول عبر برامج التواصل الاجتماعي.
كما لا بد لنا وقبل تبيان المفهوم العام لمصطلح غسل الأموال، أن نؤكد للعامة ممن هم على غير معرفة بذلك بأن المسمى الصحيح لهذا المصطلح والذي أخذ به المشرع العُماني وفق ما أورده في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني رقم: 30/2016م هو مصطلح غسل الأموال وليس غسيل الأموال (وهذه العبارة الأخيرة هي الدارجة في الوسط الاجتماعي لدى البعض).
لذا فقد عُرف مصطلح غسل الأموال من قبل بعض شرّاح الفقه والقانون بأنه: كل فعل يقصد منه إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة، وإعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر بأي وسيلة كانت، وتحويل الأموال أو استبدالها، مع العلم بأنها غير مشروعة لغرض إخفاء تمويه مصدرها، أو مساعدة شخص ضالع في ارتكاب الجرم على الإفلات من المسئولية وتملك الأموال غير المشروعة أو مصادرتها أو حيازتها أو استخدامها أو توظيفها لشراء الأموال المنقولة أو غير المنقولة، أو للقيام بعمليات مالية مع العلم بأنها غير مشروعة. وبشكل أكثر تبسيط يقصد بمصطلح غسل الأموال، قيام شخص أو مجموعة من الأشخاص سواءً كانوا أشخاصاً طبيعيين أو أشخاصاً اعتباريين، سبق لهم الحصول على مال بطريقة غير مشروعة يجرمها القانون (مثلاً، كأن يكون هذا الشخص موظف في إحدى مرافق الدولة وتحصل على المال باختلاسه من مجموع الأموال الموكلة إليه بحكم وظيفته، أو كأن يكون هذا المال ناتج من وراء بيع الخمور أو المخدرات أو غير ذلك من الممنوعات)، بالقيام على محاولة إخفاء وتمويه هذه الأموال لكيلا يتم التعرف على مصدرها غير المشروع بهدف إضفاء الشرعية عليها وبالتالي تصبح أموالاً مشروعة ومن ثم يسهل عليهم التعامل بها في السوق المالي بشكل علني ومريح ، وهذا الفعل وبمجرد اكتشافه من قبل السلطات المختصة يجعل هؤلاء مرتكبين لجريمة يعاقب عليها القانون، يطلق عليها بجريمة غسل الأموال، التي سارت غالبية دول العالم على محاربتها ومكافحتها بشتى الطرق وذلك من خلال تعظيم الجهود وتشديد الرقابة بغرض الحد منها، كون تفشيها في أي مجتمع يؤدي إلى الإطاحة باقتصاده وزعزعة أمنه واستقراره.
وحيث أنه ومن الأمثلة التي ينتهجها مرتكبي جريمة غسل الأموال لإضفاء المشروعية على المال المحرم الذي سبق لهم أن تم اكتسابه بطرق يجرمها القانون، هو قيامهم (مثلاً) بإيداع ذلك المال في إحدى المصارف (البنوك) المحلية أو حتى الأجنبية، ويتم ذلك ولكيلا تحوم حولهم الشبهات بتجزئة المبالغ الكبيرة إلى مبالغ صغيرة وقت إيداعها في المصارف، ولا تتم عملية الإيداع من حساب واحد، بل إنها تتم عن طريق حسابات متعددة وعائدة لأشخاص متعددين، كذلك كأن يقوم من لديه المال المجرم باستخدامه في شراء عقارات مرتفعة الثمن أو شراء غير ذلك من الأموال المنقولة، وهذا ما يعد أولى مراحل محاولة تغير شكل الأموال غير المشروعة إلى أموال مشروعة ويطلق عليها بمرحلة (الإيداع)، ثم يواصل مرتكبي هذه الجريمة مشروعهم الإجرامي بغية الوصل إلى الهدف المنشود (إضفاء المشروعية على المال المحرم)، فيتم (مثلاً) تحويل الأموال التي سبق أن تم إيداعها في حسابات معينة إلى حسابات أخرى سواءً تم ذلك عن طريق الطريقة التقليدية أو التحويل الإلكتروني، ناهيك عن تحويلها إلى مصارف خارجية عن البلد الموجودين فيه، الأمر الذي يزيد العملية تعقيداً ويقلل من فرص اكتشاف تلك الجريمة، وهذه المرحلة كما أطلق عليها تسمى بمرحلة (التمويه)، ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الأخيرة التي تسمى بمرحلة (الإدماج) والتي إذا وصل إليها غاسلوا الأموال يجعل أمر اكتشافهم ضمن المستحيلات كون المال قد تم إدماجه واختلاطه بمال مشروع يصعب خلاله التفريق بينهم.
لذا فالواضح من البيان السالف بأن مصطلح غسل الأموال لا ينطبق إلا على من ارتكب جريمة غسل الأموال المتحققة لشروطها وأركانها التي نص عليها القانون، وبالنسبة للمشرع العُماني فإنه أورد حالات ارتكاب جريمة غسل الأموال بموجب نص المادة (٦) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني رقم: ٣٠/٢٠١٦م، بقولها: (يعد مرتكباً لجريمة غسل الأموال كل شخص، سواء أكان هو مرتكباً للجريمة الأصلية أم شخص آخر، يقوم عمداً بأحد الأفعال الآتية، مع أنه يعلم، أو كان عليه أن يعلم أو يشتبه بأن الأموال عائدات جريمة: أ- استبدال أو تحويل الأموال بقصد تمويه أو إخفاء طبيعة ومصدر تلك العائدات غير المشروعة، أو مساعدة شخص قام بارتكاب الجريمة الأصلية للإفلات من العقوبة. ب- تمويه أو إخفاء الطبيعة الحقيقية للأموال أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها. ج- تملك الأموال أو حيازتها أو استخدامها عند تسلمها)، لذا يتضح لنا من خلال الشروط والحالات التي ذكرتها المادة آنفة البيان والتي تدلل على ضرورة توافرها في الشخص حتى يُعد مرتكب لجريمة غسل الأموال بإنها حالات ليست بالأمر السهل الإتيان بها من قبل أي شخص إلا ما ندر منهم، كما أنه وفي حال قام أحداً ما بالإتيان بها فإن أمر اكتشافه سيكون سهلاً للسلطات المختصة المعنية بالبحث والتحري ومكافحة هذا النوع من الجرائم، وبالتالي ليس كل من تغير حاله المادي للأفضل في ليلة وضحاها أصبح يملك مالاً لم يكن يملكه من قبل، جدير بأن يطلق عليه مصطلح غاسل للأموال، فقد يكون هذا الشخص وفي حال تم اكتشاف سر التغير المفاجئ الذي طرأ عليه وأصبح يمتلك أموالاً لم يكن يملكها من قبل، بإن يكون ذلك المال ناتجاً لورث تحصل عليه مثلاً، أو هدية أتته من أحد الأثرياء، أو غير ذلك من الطرق المشروعة التي من خلالها يستطيع الشخص الطبيعي أو حتى الاعتباري الحصول عبرها على مال يزيد من ذمته المالية أضعافها، الأمر الذي يقودنا إلى عدم التسرع في الحكم على الآخرين بمجرد النظرة الأولى والتي تكون ظاهرية دون العلم بعمق وسبب الثراء الذي طرأ فجأة على ذلك الشخص.
كما إنه وكما ذكرنا بأن غالبية دول العالم سارت في مكافحة هذه الجريمة والحد منها بشتى الطرق وذلك من خلال إصدارها للقوانين التي تجرم من قام بارتكابها، وكذلك انضمامها للمعاهدات الدولية من أجل التعاون المشترك لقطع السبل أمام مرتكبي تلك الجرائم، وبلا شك فإن مشرعنا العُماني هو من ضمن التشريعات التي سابقت في اتخاذ التدابير الوقائية والاحترازية بل والعقابية من أجل مكافحة هذه الجريمة ومنع ارتكابها على أراضي السلطنة والعالم، وأنضمت سلطنة عُمان لغالبية المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تدعو لمكافحة وتجريم هذا النوع من الجرائم، حيث قامت السلطنة بإصدار عدة قوانين تجرم جريمة غسل الأموال، وذلك بدءً من العام ١٩٩٩م عندما عالجت موضوع غسل الأموال بإفراد فصل خاص لذلك في قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم ١٧/١٩٩٩م، يجرم غسل الأموال الناتج عن الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، ثم أصدر لاحقاً المشرع العُماني قانوناً خاصاً معني بجريمة غسل الأموال بموجب المرسوم السلطاني رقم: ٣٤/٢٠٠٢م باسم قانون غسل الأموال، بعد ذلك ونتيجة للتطور المتسارع في الأساليب المستخدمة والمنتهجة لارتكاب هذه الجريمة فإن المشرع العُماني رأى ضرورة تحديث ذلك التشريع فأصدر المرسوم السلطاني رقم: ٧٩/٢٠١٠م الخاص بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ثم قام المشرع مؤخراً وفي العام ٢٠١٦م بإصدار قانون جديد يحث ما قبله لمكافحة وتجريم هذه الجريمة بموجب المرسوم السلطاني رقم: ٣٠/٢٠١٦م المعني بقانون مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فالأمر لن يقف عند هذا الحد، بل أن السلطنة مستمرة في الالتزام بتنفيذ المبادرات الدولية للحد من جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك من خلال تكثيفها الجهود المحلية والتعاون الدولي للحد من تلك الجريمة، وذلك ما يقودنا وكما ذكرنا إلى عدم التسرع في الحكم على الآخرين، كون القيام بتلك الجريمة على أراضي السلطنة لن يكون بالأمر السهل الذي يعتقده البعض منا، بل الأكيد بأن من تسول له نفسه الإتيان بتلك الجريمة فلن يكون الأمر سهلاً بالنسبة له، كون جميع مؤسسات الدولة العامة منها والخاصة معنية بمكافحة هذا النوع من الجرائم، بل أن تسترها على مثل تلك الجرائم يجعلها (أو من يمثلها) في طائلة التجريم.
لذا وفي ختام حديثنا نود الإيضاح بإن الجهود العالمية والمحلية عظيمة في شأن مكافحة هذه الجريمة (جريمة غسل الأموال) لما ترتبه وتخلفه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع ككل بما في ذلك الإطاحة بإقتصاديات البلدان، والمشرع العُماني وكما سلف تبيانه بإنه سباق لاتخاذ أشد الإجراءات الصارمة من أجل قطع الطرق والسبل أمام من يفكر بارتكاب مثل تلك الجريمة على أراضي السلطنة، لذلك فعلينا أن نكون أكثر وعياً وثقافة، ونتجنب رمي الآخرين بذلك حتى لا يتم الرجوع علينا بجريمة قذف الآخرين أو غير ذلك مما يجرمه القانون، ومن العقل والمنطق بأن نترك أمرهم (أن صح قيامهم بارتكاب مثل تلك الجريمة) للجهات المختصة كونها هي المعنية باتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم.