أخبار

وثائق وسجلات المحاكم الشرعية العُمانية كنزٌ حافل؛ فكيف نستفيد منها؟

وثائق

مسقط-أثير

إعداد الباحث: نبيل بن ماجد العبري

ورد ذكر السّجل في القرآن الكريم في مُحكم قوله تعالى: ﴿كطيّ السّجِلّ لِلكُتب﴾ (الأنبياء:21)، وتفسيرُ ذلك أن السجل هو الصحيفة التي فيها الكتابُ على حد تعبير الطبري في كتابه جامع البيان عن تأويل آيِ القرآن، وهو قول قد أخذ به المفسرون، وبالعودة إلى مُعجم المصطلحات الفقهية في محاولةٍ لتعريف السّجل الشرعي فقد عرفهُ الفقهاء بـ:“ كتاب القاضي الذي يدوّن فيه الأحكام والدعاوى الشرعية، وقد ينتقلُ من قاضٍ لآخر“. (معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية: 2/244)

تُعَدُّ وثائق وسجلات المحاكم الشرعية من أهم المصادر التي يمكن أَنْ يستند إليها المشتغلون بالتاريخ العُماني الحديث في المدن والحواضر العُمانية المختلفة؛ نظرًا لما تمتاز به من مادةٍ تاريخيةٍ تفصيليةِ الوصفِ والدقةِ والمضمونِ من غير تزييفٍ أو تهويل، واتِّساع اختصاصها الذي يشمل أَوْجُه الحياة اليومية كلها؛ بجوانبها الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية جميعها، فهي اللسانُ الناطق الذي يُفصح لنا عن حقائق قد غُيّبت عن الواقع؛ الأمر الذي يجعلها أُنموذجًا يُسهم بشكل جذري في إعادة فهم وكتابة التاريخ العُماني، بعيدًا عمَّا دَوَّنَهُ الإخباريُّون وأصحاب التراجم من سردٍ للأحداث والوقائع والأخبار؛ إلى ديناميةٍ تاريخيةٍ متحركةٍ وفق مجموعة من المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فضلًا عمَّا تُقدِّمُه من تفسير لعلاقات السُّلطة بالفئات المجتمعية، والكشف عن المراحل الزمنية للانتقال بالقضاء من المؤسسات التقليدية إلى الهيكلة الحديثة للقضاء.

وثائق وسجلات المحاكم الشرعية العُمانية

وعلى الرغم من الإقرار بأهمية أمثال هذه الوثائق، فقد لفتَ المؤرخ أسد رستم انتباه الباحثين لدراسة السجلات الشرعية باعتبارها مصدرًا تاريخيًا منذ (1348ه/1929م)، إلَّا أنَّ عدد المشتغلين بها في التاريخ العُماني الحديث ما يزال قليلًا جدًّا؛ يعود سبب ذلك رُبما إلى التوجه لمصادر ومراجع التاريخ العُماني الأخرى لاسِيَّما المُصنَّفات الفقهية وما كَتَبَهُ المؤرخون المتأخرون على وجه الخصوص، إضافة إلى كونِ هذه الوثائق غير متاحة بسهولة للباحثين، كما أنَّها لم تُحَطْ بالعناية اللازمة وما زالت بحاجة إلى فهرسة وترقيم وضبط؛ عدا صعوبة قراءة خطوط اليد والتعرف على بعض المصطلحات والمفردات التي كُتِبَت بها بعض الوثائق والسجلات الشرعية باستخدام اللهجة المحلية الخاصة بهذه المدينة، وتلك.

وثائق وسجلات المحاكم الشرعية العُمانية

ومن الأهمية بمكان لتحقيق الفائدة المُتوخَّاة من هذه الوثائق والسجلات الشرعية والخروج بها من النطاق الضَّيِّق وتوظيفها بالشكل الذي يُلبِّي أغراضًا مختلفة أَنْ نقرأ هذه السجلات في ضوء السيرورة التاريخية لمصادر التاريخ العُماني وعدم فصلِها عن سياقها التاريخي لبلوغ الدرجة العليا من الدقة بالمقارنات النقدية بين ما وُجِدَ في المصادر التاريخية وما تُقدِّمُه لنا هذه السجلات؛ كونُها ستُسهم بشكل كبير في سدِّ العديد من الفجوات ومُدَدِ الضياع في بعض جوانب صفحات التاريخ العُماني الحديث، كالجوانب الإدارية، والقضائية، والاقتصادية والاجتماعية، والعمرانية، والأوقاف، فضلًا عن الكشف عن الكثير من المعطيات والحقائق التاريخية فيما يمكن أَنْ نُطلِقَ عليه ”التاريخ المسكوت عنه“.

خلاصة القول: إنَّ وثائق وسجلات المحاكم الشرعية العُمانية كنزٌ حافل قادر على كشف المجتمع المدني لِمَا تتضمَّنُه من معطيات؛ شَرْطَ نفضِ الغبار عنها والتعامل معها بأمانة علمية يحفظ فيها الباحث ما بها من بيانات شخصية، ويوجِّه الضوء إلى الظاهرة الاجتماعية بمنهجية علمية جوهرًا وظاهرًا مع ما تحتويهِ من نصوص؛ فمحكمة شرعية واحدة لأيِّ مدينة عُمانية من الممكن أَنْ نَجِدَ في أرشيفها عشرات، بل مئات السجلات؛ ما يُتيح للباحث الاطِّلاع على آلاف القضايا والوثائق التي تُؤرِّخ لمرحلة زمنية قد تمتد لقرنٍ من الزمن.

وثائق وسجلات المحاكم الشرعية العُمانية
Your Page Title