أثير – جميلة العبرية
في لحظة صادقة من حياة كل موظف، يتوقف الزمن أمام سؤالٍ محوري:
هل سأقضي حياتي أعمل لأجل الراتب فقط؟
في كتابه “نسيت دفتر حساباتي” يصحبنا رجل الأعمال والكاتب فهد بن صالح الهوتي في رحلة ذاتية ومهنية، نعيد من خلالها النظر في علاقتنا بالمال والتخطيط، ونتعلم كيف يمكن لأي موظف أن يحقق الثراء الذكي دون مغادرة وظيفته، بل من داخل مكتبه، ومن راتبه الشهري.
الكتاب الذي قدم خلاصة لـ 400 كتاب تنقل بينها الكاتب لا يتحدث فقط عن المال فحسب، بل عن التخطيط الشخصي للحياة، وعن رسم أهداف لعشرين عامًا قادمة، بتحديد الرؤية والرسالة، وتحويل المال من غاية إلى وسيلة تُحقق التوازن في الجوانب الخمسة للحياة: الجسدية، والعاطفية، والاجتماعية، والروحية، والمالية.
يقول الهوتي: “المال ليس هو الهدف، بل ما يحققه من طمأنينة وراحة نفسية هو ما يستحق السعي إليه.”
رحلة تبدأ من الراتب وتنتهي بالحرية
يُعيد المؤلف تعريف الراتب، لا كسقف نعيش تحته، بل كنقطة انطلاق لخطة مالية ذكية. لا يتحدث عن الادخار والتوفير كخنق للرغبات، بل كفنٍ لتحقيق الاستقلال.
ويرسم الكاتب ملامح التوازن المالي من خلال خطوات عملية كالآتي:
• تحديد سجل للإنفاق اليومي.
• تخصيص ساعة أسبوعيًا لمراجعة المصروفات.
• تطبيق قاعدة 48 ساعة قبل الشراء.
• تحديد أهداف مالية ذكية، وواقعية، وقابلة للقياس.
كما يُفند الكاتب المعتقدات الشائعة مثل “الراتب لا يكفي” و“سأبدأ لاحقًا“، ويقابلها بخطط واقعية قابلة للتنفيذ. فالادخار، كما يوضح، ليس مقدار ما تكسب بل مقدار ما تُبقي، وما تستثمره بذكاء.
من عادات خاطئة إلى قرارات ذكية
يشير الهوتي إلى عادات مالية شائعة تُهدد الاستقرار المالي مثل:
• الشراء بدافع العروض المغرية.
• الاعتماد على بطاقات الائتمان كدخل وهمي.
• شراء منزل يفوق القدرة الحقيقية دون تخطيط.
ويضع بديلًا لذلك خارطة ذكية مثل قاعدة 50/30/20، حيث يتم تقسيم الدخل إلى:
• 50% للنفقات الضرورية.
• 30% للرغبات.
• 20% للادخار والاستثمار.
كما يعرض نموذجًا آخر 15/85، حيث يتم استقطاع 15% للاستثمار منذ بداية الراتب، وتحقيق التوازن باستخدام 85% المتبقية. والهدف ليس فقط التوفير، بل بناء عادة مالية ممتدة.
من موظف إلى مستثمر
ينتقل الهوتي بعد ذلك إلى “المربع المالي” الذي طوره الكاتب روبرت كيوساكي، ويُقسّم مصادر الدخل إلى:
• موظف (E) : وهو من يعمل مقابل أجر.
• صاحب مهنة (S): وهو من يعمل لحسابه.
• صاحب شركة (B) : يبني نظامًا يعمل نيابة عنه.
• مستثمر (I): وهو من يجعل المال يعمل لأجله.
ويطرح تحديًا مهمًا: كيف تنتقل من الجانب الأيسر إلى الأيمن؟ وكيف تنتقل من بيع وقتك إلى شراء وقتك، ومن الاستهلاك إلى التملك؟
الجيل الجديد والتخطيط المالي
في صفحات خاصة، يتناول الكتاب سلوكيات جيل الألفية وجيل X في الإنفاق، ويطرح تساؤلات واقعية:
هل تنفق بناءً على عاداتك أم على قراراتك؟ هل المال يُغيّرك أم تسيطر عليه؟
ويرى أن تعلّم التخطيط الشخصي يجب أن يكون مثل تعلّم هندسة المباني، يبدأ بالأساس ثم يرتفع خطوة بخطوة.
خلاصة تلهمك
يأتي الهوتي بدعوة مهمة في كتابه:
“ابدأ الآن، لا تنتظر تقاعدك، ولا تنتظر أن تصبح غنيًا لتتعلم كيف تدير أموالك. الحرية المالية لا ترتبط بالمبلغ، بل بالخطة والانضباط والنية.”
ويضيف في الفصول الأخيرة من الكتاب عن كيف البدء في الاستثمار بأقل التكاليف، وكيف يمكن صنع خطة مالية خالية من التعقيد والمخاطر، للوصول في النهاية إلى الحرية التي يستحقها الشخص.
إنه كتاب ليس لحفظ الأرقام، بل لإعادة هندسة الحياة المالية، والتخطيط الشخصي الذي يجعلنا نعيش بمرتباتنا، لا نعيش لها.