رصد - أثير
اعداد - ريما الشيخ
لطالما كان الحليب من أهم منتجات الزراعة والصناعة الغذائية، واختلفت طرق حفظه وتوزيعه عبر العصور. فبالإضافة إلى الحليب السائل الطازج، تطور على مرّ الزمن ما يُعرف بالحليب المجفف (الجاف)، الذي حلّ محلّ الحليب التقليدي في بعض الاستخدامات، خصوصًا في السفر والطوارئ والمناطق التي لا يتوفر فيها التبريد.
فما أصل فكرة الحليب الجاف؟ ومتى وأين بدأ؟ وكيف ظهرت فكرة الحليب السائل بالتجانس (التحليل الحديث)؟ نُبحر في هذا الموضوع بدقة وتفصيل.
متى وأين تم إصدار الحليب الجاف؟
يُعتبر الطبيب الروسي أوسيب كريتشيفسكي أول من اخترع عملية تجفيف الحليب بصورة علمية عام 1802، عندما صمم طريقة لإزالة الماء من الحليب (الحليب الجاف).
ومنذ عام 1832، بدأ الكيميائي الروسي م. ديرتشوف الإنتاج التجاري لهذا المنتج في روسيا.
وفي عام 1855 تم الحصول على أول براءة اختراع من قِبل T. S. Grimwade لعملية جافة، بينما سبقته محاولات سابقة (مثل وليام نيوتن عام 1837) لتجفيف الحليب بتقنية التفريغ.
لاحقًا، في عشرينات القرن العشرين، ساهمت Ninni Kronberg السويدية بتحسين العملية الصناعية للحليب الجاف، وأُنشئت أول مصانع إنتاج واسعة عام 1939 في السويد.
من أين جاءت فكرة الحليب السائل وكيف تطور “تجانسه”؟
أ. نشأة استهلاك الحليب السائل
منذ عصور ما قبل التاريخ، اعتمد البشر على حليب الأبقار والأغنام والماعز كغذاء فوري يُستهلك مباشرة بعد الحلب. مع ظهور المدن والتوسع الحضري، زادت الحاجة إلى نقل الحليب، ما دفع لتبريده وتخزينه. لكن ظهرت مشاكل صحية بسبب انتشار الأمراض الناقلة من الحليب، مثل السل والحمى، نظرًا لعدم وجود معالجة كافية.
ب. ظهور البسترة وتطبيقها في معالجة الحليب
في عام 1859، قدّم لويس باستور أولى الأبحاث للدلالة على أن درجة حرارة معينة تقتل الجراثيم في المشروبات. ولمّا لاحقًا استخدمت هذه الفكرة لتطبيقها على الحليب في 1864، وثّقت لاحقًا من قِبل الألمان مثل فرانز فون سوكسليت الذي اقترح بسترة الحليب عام 1886، وتطوّرت القوانين الصحية لتصبح البسترة إلزامية في المدن (مثل نيويورك عام 1910) .
ج. فكرة التجانس (تحليل الحليب)
تحكم الهيئات الصحية في الجودة أدّى لاحقًا إلى وجود ظاهرة فصل الكريمة في الحليب السائل، حيث تتجمع الدهون في قمّة العبوة بعد التخزين، ظهرت تقنية التجانس لتحقيق تجانس الدهون ومنع فصلها، عن طريق تمرير الحليب تحت ضغط عالٍ عبر فوهات، مما كسر جزيئات الدهون إلى حجم دقيق، فبقيت موزّعة داخل السائل دون تكتّل. هذه التقنية طوّرت منذ أواخر القرن التاسع عشر، وأوجدت الشكل التجاري المألوف للحليب السائل في الأسواق .
أيهما الأفضل: السائل أم الجاف؟ مقارنة صحية
عند الحديث عن الحليب، لا يتعلق الأمر فقط بالنكهة أو الشكل، بل بالتأثير الصحي طويل المدى، وهنا تظهر المفاضلة بين الحليب السائل والحليب الجاف في ثلاث زوايا: الفائدة، الضرر، وسهولة الاستخدام.
الحليب السائل: الأفضل صحيًا في الغالب
الحليب السائل – خصوصًا المبستر والطازج – يُعد أكثر فائدة من حيث محتواه الحيوي، إذ يحتفظ بمعظم فيتاميناته الطبيعية مثل A وB12 والإنزيمات النشطة التي قد تتأثر بالتجفيف الحراري. كما أن مذاقه وقوامه أقرب للطبيعة، ويُفضل للأطفال والحوامل وكبار السن.
من الناحية الصحية، لا يُظهر الحليب السائل مخاطر تُذكر عند حفظه بطريقة صحية، ويُعتبر خيارًا ممتازًا للعظام والمناعة.
الحليب الجاف: عملي لكنه أقل حيوية
رغم فائدته في التخزين وسهولة التحضير، إلا أن الحليب الجاف قد يفقد بعض العناصر أثناء التصنيع، مثل بعض مضادات الأكسدة والإنزيمات، وتزداد فيه نسبة الكوليسترول المؤكسد عند التخزين الطويل أو درجات حرارة غير مناسبة، وهو ما قد يكون مضرًا للقلب عند الإفراط.
إلا أن بعض الشركات تعمل على تدعيم الحليب الجاف بفيتامينات مضافة مثل D وB12 لتعويض النقص. لذلك، يُنصح بشرائه من شركات موثوقة وتجنب تعريضه للرطوبة أو الحرارة الزائدة.
الاستخدام اليومي
يُفضل استخدام الحليب السائل للشرب المباشر والمشروبات الساخنة، بينما يُعد الحليب الجاف مناسبًا أكثر في الطهي، المخبوزات، والسفر أو الطوارئ. كما يُعد خيارًا اقتصاديًا للأسر الكبيرة والمؤسسات، شرط تحضيره بشكل سليم.
المصادر:
- Times of India – “What exactly is milk powder?”
- AllRecipes – “What Is Powdered Milk?”
- Livestrong – “Are There Nutritional Differences Between Fresh Milk and Powdered Milk?”
- SmartSense – “Louis Pasteur and Pasteurization”
- FoodStruct – Nutritional Comparison Between Fresh and Powdered Milk
- موسوعة ويكيبيديا: Powdered milk (اختراع 1802، الإنتاج التجاري 1832) (en.wikipedia.org)
- موسوعة ويكيبيديا: Ninni Kronberg وتطوير إنتاج السويد 1939 (en.wikipedia.org)
- بحث حول البسترة وتطبيقها على الحليب (لوثي سلاسل التواريخ 1864–1910)
- مقالة كيفية عمل التجانس لتوزيع الدهون