رصد - أثير
إعداد - ريما الشيخ
في مجتمعٍ بات “الوجه المثالي” فيه مرادفًا للنجاح والجاذبية، تبدّلت عمليات التجميل من نصيحة طبية إلى هوس جماعي، فإذا كانت البداية بالتحسّن الجمالي، صار المجتمع يغرق في وعود الجمال الدائم—وغالبًا بثمنٍ باهظ يشمل الصحة والنفس، والماديات، فالوجوه المتشابهة باتت تتلاشى خلف مرشحات الصور الفلترية، وأصبح الفرد يلاحق صورة زائفة لما يريد أن يكون.
بحسب الجمعية الدولية لجراحي التجميل (ISAPS)، سجّل عام 2023 نحو 34.9 مليون إجراء تجميلي حول العالم، منها أكثر من 15.8 مليون عملية جراحية و19.1 مليون إجراء غير جراحي مثل البوتوكس والفيلر، بارتفاع سنوي يبلغ 3.4% وزيادة بنسبة 40% خلال السنوات الأربع الماضية.
كما سجّلت الجمعية الأميركية لجراحي التجميل زيادة بنسبة 2.9% بين 2022 و2023 في العمليات الجراحية، وبلغ النمو الإجمالي منذ عام 2019 نحو 10.2%.
أما فيما يخص أشهر الإجراءات، فقد حلت عمليات شفط الدهون (Liposuction) في المرتبة الأولى، إذ بلغ عددها 347,782 إجراء في 2023، بزيادة 7% عن العام السابق، يليها شد البطن (tummy tuck) بـ 170,110 إجراء (زيادة 5%)، وتكبير الثدي بـ 304,181 عملية، في حين شهد شد الثدي ارتفاعًا بنسبة 7%، وفي 2022، سجّل شد البطن قفزة قدرها 37% مقارنةً بعام 2019، مع ارتفاع الاهتمام بالإجراءات غير الجراحية مثل تقليص الدهون بتقنية التجميد (Cryolipolysis) بارتفاع 77%.
هوس الصورة والفلتر
أسماء مثل “Snapchat Dysmorphia” لم تعد مجرد مصطلحات فلكلورية، بل أصبحت تعبيرًا عن واقع قاتم، فالكثيرون يسعون عبر العمليات لتقليد صورتهم المفلترة—معاد تحريرها رقمياً في ”السيلفي“، وأكدت دراسة في جامعة بوسطن أن المستخدمين الذين يمضون وقتًا طويلًا على وسائل التواصل وصنّاع الصور الفلترية، زادت رغبتهم في إجراء العمليات التجميلية من 64% إلى 86%، كما ارتفعت نسبة الذين استشاروا الجراحين من 44% إلى 68%، فيما اعتبر 78% أن الجراحة التجميلية ستعزز ثقتهم بأنفسهم بعد الجائحة—نسبة ارتفعت 30% عن ما قبل كورونا.
دراسة ثانية تربط الاستخدام المكثف لوسائل التواصل بانخفاض التقييم الذاتي للمظهر الجسدي، وتزايد ميول الخضوع لعمليات التجميل، خصوصًا لدى النساء، وفي الهند أظهرت دراسة أخرى أن وسائل التواصل تؤدي إلى شعور بعدم الجاذبية ودفع دائم نحو التجميل المثالي.
أخطار صحية واقعية رهيبة
إن الأخطار ليست نظرية بل تقف على أرض الواقع. كشفت مراجعة طبية شملت 447 مريضًا خضعوا لعمليات جراحية، عن مضاعفات عند 42.7% منهم، وفي حالات شد البطن (abdominoplasty)، سجّلت المضاعفات الكبيرة 4% مقارنة بـ 1.4% في بقية العمليات التجميلية، أبرزها النزيف، والجلطات، والالتهابات.
وبحسب مراجعة طبية أخرى، فإن احتمال الوفاة بعد الجراحة التجميلية الواحدة يصل إلى 1 من كل 5,000 حالة، خصوصًا في ظل تزايد “السياحة التجميلية“، كما سجّلت مراكز أميركية وفي دول مثل الدومينيكان 93 وفاة بين عامي 2009 و2022 لمواطنين أميركيين نتيجة الجراحات التجميلية هناك، مع ارتفاع من 4.1 إلى 13 وفاة سنويًا في الفترة 2019–2022، وبعضها ناجم عن جلطات دهنية أو دموية.
وفي بريطانيا، تم تسجيل ارتفاع بنسبة 30% في حالات الإصابة بعوامل مرضية مقاومة للمضادات الحيوية بين العائدين من عمليات خارج البلاد، بالإضافة لمضاعفات مثل النزيف والتلوث البكتيري، ما يضغط على نظام الرعاية الصحية الوطني، وسجّلت حالات مروعة مثل امرأة قُطعت ساقها لاحقًا بسبب تلوث بعد عملية “BBL” غير جراحية، وأخرى تعاني من فشل كلوي بعد عملية جارية بدولة ثانية.
أثر نفسي واجتماعي
هؤلاء الذين يخضعون لهذه العمليات ليسوا فقط في مواجهة الجسد، بل في صراع مع النفس، شريحة كبيرة منهم تعاني من اضطرابات نفسية مثل BDD (Body Dysmorphic Disorder)، وتستخدم الجراحة كحل وهمي لتغطية أزمة داخلية. في بعض الحالات، تظهر نوبات اكتئاب، وقلق، وحتى أفكار انتحارية بعد الجراحة—ومدى الخطورة يتفاقم مع توقعات غير واقعية مبنية على “الفلاتر الرقمية” أكثر من الواقع.
في ظل هذا الهوس الجماعي، فإن الثمن الحقيقي للجمال المزيف يكمن في الصحة المهددة، والروح المرهقة، والجيوب الخاوية.
الصورة المثالية قد تبقى لفترة، لكن الكارثة قد تبقى للأبد، حان الوقت لإعادة التفكير: هل نلاحق أشكالاً مرشحة على الشاشة، أم نعطي الأولوية للسلامة والواقعية؟
المصادر
New York Post
The Times
The Sun