أثير – جميلة العبرية
استعرض اليوم الأول من الندوة العلمية “ظفار في ذاكرة التاريخ العماني” ورقة بحثية بعنوان (كوريا موريا في التاريخ العُماني: جيوسياسيًا ولوجستيًا وعسكريًا – دراسة وثائقية).
“أثير” التقت بصاحبة الورقة البحثية الدكتورة بهية بنت سعيد العذوبية، مشرف أول تاريخ في المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة شمال الشرقية التي أوضحت أن فكرة الورقة البحثية جاءت إثر بحثها عن جزيرة مصيرة وتأثيرها الجيوستراتيجي خلال أربعينيات القرن العشرين، حيث اطلعت على وثيقة بريطانية تشير إلى رغبة بريطانيا في شراء جزيرة مصيرة مقابل التنازل عن جزر كوريا موريا، ومن هنا بدأت فكرة تتبع الأراضي العُمانية التي حاولت بريطانيا السيطرة عليها لأهميتها الإستراتيجية، ثم اتجهت العذوبية إلى دراسة جزر كوريا موريا وتتبع مسارها التاريخي وأسباب اهتمام بريطانيا بها، مركزة على أبعادها الإستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية. كما أشارت إلى الالتباس الشائع في تسمية الجزر وربطها بكوريا الشمالية أو الجنوبية، مؤكدة أن هذا اعتقاد خاطئ وأنها جزر عُمانية أصيلة.

الأهمية الجيوسياسية عبر القرنين 19 و20
بيّنت العذوبية أن الجزرمثلت نقطة إستراتيجية على طرق الملاحة بين المحيط الهندي والبحر الأحمر وخطوط التجارة إلى الهند؛ ما منحها قيمة كمركز مراقبة بحرية، إضافة إلى أهميتها الاقتصادية بوجود سماد الجوانو في جزيرتي السودة والحاسكية، ومع مدّ بريطانيا للكابل البحري -وإن لم ينجح مشروعه- فقد ازدادت أهمية الجزر العسكرية والجيوسياسية بفضل موقعها القريب من مضيق هرمز وممرات الملاحة العالمية، وهو ما جعلها نقطة محورية في سياسات الأمن البحري والتجارة الدولية حتى منتصف القرن العشرين.
محطات وثائقية
تبرز الوثائق التي اطلعت عليها الدكتورة في الفترة (1854–1967) وشاركت “أثير” ملخصًا عنها عدة محطات أهمها:
•تنازل السلطان سعيد بن سلطان عن الجزر لبريطانيا في 14 يوليو 1854م.
•استغلال بريطانيا للجزر في استخراج الجوانو وفرض امتيازات مؤقتة منذ منتصف القرن التاسع عشر.
•ربط الجزر إداريًا بمستعمرة عدن وإصدار قانون جزر كوريا موريا في عام 1959م، رغم غياب إدارة محلية وتنمية حقيقية.
•إعادة السيادة العُمانية على الجزر رسميًا في 30 نوفمبر 1967م.
•اعتراضات إقليمية من جمهورية اليمن الشعبية عقب قرار بريطانيا، انتهت بتأكيد السلطنة سيادتها الكاملة عليها.
البعد اللوجستي والعسكري
أشارت الدكتورة في حديثها لـ “أثير” إلى أن الجزر أسهمت في تعزيز النفوذ البحري العُماني إقليميًا ودوليًا عبر دورها كنقاط إستراتيجية للسيطرة والمراقبة، وتوفير دعم لوجستي لحماية خطوط المواصلات البحرية والجوية. كما مثلت أوراق ضغط سياسي ودبلوماسي في التفاوض مع القوى الكبرى، وأسهمت في ترسيخ قدرة السلطنة على إدارة مواردها ومواقعها الجغرافية بما يعزز مكانتها الإقليمية والدولية.
انعكاسات الموقع على العلاقات الدولية
أوضحت الدكتورة بهية العذوبية لـ “أثير” أن مكانة “كوريا موريا” انعكست على العلاقات العُمانية من خلال تمكين السلطنة من إدارة النزاعات الإقليمية وحماية سيادتها، خصوصًا في مواجهة جمهورية اليمن الجنوبية. كما جعلتها لاعبًا محوريًا في التوازنات الإقليمية، وأداة إستراتيجية في التنافس الدولي بين بريطانيا والاتحاد السوفيتي، ما منح سلطنة عُمان موقعًا دبلوماسيًا متميزًا لحماية مصالحها البحرية والتجارية.
منهجية البحث
بيّنت الدكتورة أن الدراسة اعتمدت على المنهج التاريخي التحليلي، مستندة إلى وثائق أرشيفية بريطانية (IOR, FO)، وخرائط ومصادر جغرافية وروايات الرحالة، إضافة إلى الصكوك والسجلات الرسمية، وهو ما منح نتائجها قوة توثيقية وموثوقية عالية.
وعن أبرز الدروس الإستراتيجية للحاضر والمستقبل تقول الدكتورة:
•الجزر الصغيرة قد تحمل قيمة إستراتيجية تفوق وزنها الاقتصادي.
•ضرورة الحفاظ على السرد القانوني والتوثيق الوطني لتفادي استغلال الصيغ القانونية.
•استباقية بناء قدرات لوجستية مدروسة يحوّل الجزر إلى أصول إستراتيجية.
•أهمية البعد البيئي والتنمية المجتمعية لضمان استدامة النفوذ والسيادة.
نتائج وإعادة قراءة التاريخ
أكدت الدكتورة بأن كوريا موريا مثلت محورًا إستراتيجيًا متكاملًا جمع بين الجغرافيا والاقتصاد والسياسة والدبلوماسية، فهي ليست مجرد جزر صغيرة، بل أرخبيل بركاني يتيح مراقبة خطوط الملاحة ويشكل قاعدة دفاعية ولوجستية. كما مثلت أدوات تفاوضية مهمة في العلاقات العُمانية مع القوى الدولية؛ ما أسهم في تعزيز السيادة العُمانية وتطوير قدراتها الدفاعية والدبلوماسية.
الأهمية الراهنة
وترى الدكتورة بهية أن جزر الحلانيات ما تزال تحتفظ بأهمية إستراتيجية كبيرة اليوم، وإن اختلفت طبيعتها عن الماضي، فهي نقاط حيوية للمراقبة البحرية والجوية، وحماية خطوط الملاحة والطاقة الدولية، فضلًا عن رمزيتها السياسية في ترسيخ السيادة العُمانية، ومع تطوير القدرات الدفاعية والتقنية، أصبحت جزءًا من منظومة الأمن البحري الحديثة؛ ما يجعل الاهتمام بها وتطويرها ضرورة إستراتيجية للمستقبل.