تاريخ عمان

قبل 40 عامًا: افتتاح متحف عُماني من أبرز مقتنياته هيكل لحوت العنبر

متحف التاريخ الطبيعي

أثير- د. محمد بن حمد العريمي

في مثل هذا اليوم قبل 40 عامًا، وتحديدًا يوم الاثنين 30 ديسمبر 1985م، وفي إطار احتفالات البلاد بالعيد الوطني الخامس عشر، افتُتح تحت رعاية السيد فيصل بن علي بن فيصل وزير التراث القومي والثقافة وقتها متحف التاريخ الطبيعي الواقع آنذاك ضمن مرافق وزارة التراث والثقافة بحي الوزارات في منطقة الخوير.

ويُعنى المتحف بإبراز التنوّع البيئي في سلطنة عُمان، من خلال عروض علمية وتثقيفية تغطي التضاريس والجيولوجيا، والنباتات، والحشرات، والحيوانات البرية والبحرية، بما يعكس ثراء البيئة العُمانية وتباين معالمها الطبيعية.

وعلى الرغم من صِغَر مساحته، فإن المتحف يزخر بكمٍّ وافر من الحقائق والمشاهدات العلمية التي يصعب على الكتب وحدها الإحاطة بها؛ إذ يضم نماذج محنّطة لحيوانات نادرة تعيش في براري عُمان، إلى جانب هياكل عظمية لكائنات بحرية، وطيور وزواحف عاشت في البيئة العُمانية ونفقت نفوقًا طبيعيًا، لتشكّل بذلك سجلًا حيًّا للذاكرة الطبيعية الوطنية.

ويمثّل المتحف منذ افتتاحه محطة معرفية وتعليمية أسهمت في ترسيخ الوعي البيئي، وتعريف الأجيال بأهمية الحفاظ على التنوّع الأحيائي بوصفه ركيزة من ركائز الهوية البيئية لعُمان.

جريدة عمان. الاثنين 30 ديسمبر 1985م
وزير التراث يفتتح المتحف وبجواره جلالة السلطان هيثم بن طارق

شعار المتحف

اختارت وزارة التراث القومي والثقافة حيوان (عناق الأرض) شعارًا لمتحف التاريخ الطبيعي، لما يتسم به هذا الكائن من شجاعة وقوة وصمود في مواجهة ظروف البيئة القاسية، ولِما يحمله من دلالة رمزية عميقة بوصفه أحد أنبل وأبرز الأحياء البرية التي تزخر بها عُمان.

عناق الأرض

ويجسّد هذا الاختيار رسالة المتحف في الاعتزاز بالحياة الفطرية العُمانية، والتأكيد على قيم الحماية والحفاظ على التنوّع الأحيائي، باعتباره جزءًا أصيلًا من التراث الطبيعي والهوية البيئية لسلطنة عمان.

وعَنَاق الأرض أو مجرد العَنَاق، أو (الوشق) من الحيوانات الثديية اللاحمة (آكلات اللحوم) والتي تتبع فصيلة السنوريات، ويُعد هذا الحيوان سنورًا شرسًا متوسط الحجم يصنف مع السنوريات الصغيرة، إلا أنه يعتبر أثقلها وأسرعها.

إسهامات المواطنين

بحسب الكلمة التي ألقاها وزير التراث القومي والثقافة في حفل افتتاح متحف التاريخ الطبيعي، فقد كان للمواطنين دورٌ محوري في إقامة هذا الصرح العلمي؛ إذ أسهم عددٌ كبير منهم بتقديم نماذج متنوعة للحيوانات والطيور والأحياء المائية؛ ما أغنى محتوى المتحف ووسّع نطاق معروضاته.

وأكد أن جميع نماذج الحيوانات المعروضة لم يتم اصطيادها أو قتلها لغرض العرض، وإنما تلقتها الوزارة من المواطنين بعد أن فارقت الحياة طبيعيًا، في دلالة واضحة على وعي المجتمع بأهمية الحفاظ على الحياة الفطرية، وتعاونه مع الجهات المعنية في توثيق التراث الطبيعي وصونه للأجيال القادمة.

مدة جمع المقتنيات وطريقة عرضها

أشار وزير التراث القومي والثقافة إلى أن مدة جمع مقتنيات متحف التاريخ الطبيعي استغرقت نحو أربع سنوات، تمكّن خلالها القائمون على المتحف من تكوين مجموعات علمية متنوّعة، جرى حفظها بالوسائل اللازمة ووفق أسس علمية دقيقة، شملت التشريح والتحنيط بما يضمن سلامتها وديمومتها.

وقد روعي في أسلوب عرض المقتنيات أن تظهر النماذج لزوار متحف التاريخ الطبيعي وكأنها تعيش في مناخها وبيئتها الطبيعية الخاصة، بما يعزّز الفهم البصري والبيئي لدى الزائر.

أما الصور واللوحات المعروضة، فقد جرى التقاطها باستخدام وسائل علمية متقدمة، من بينها تقنيات التصوير عبر الأقمار الصناعية، بما يضيف بعدًا توثيقيًا ومعرفيًا يعكس تطور الأساليب العلمية المعتمدة في إعداد محتوى المتحف.

جريدة عمان. الثلاثاء 31 ديسمبر 1985م

أقسام المتحف

ضمّ متحف التاريخ الطبيعي أربع قاعات، جاءت القاعة الأولى بعنوان “تضاريس عُمان المتباينة”، وتُعنى بعرض الطبيعة الجغرافية العُمانية وإبراز تنوع التضاريس عبر صور التُقطت بتقنيات الأقمار الصناعية.

ويشتمل هذا القسم على عرض للتاريخ الطبيعي لست مناطق رئيسية، هي: مسندم، جبال عُمان الشمالية، وسهل الباطنة، والداخلية، ومحافظة ظفار، والجزر العُمانية المتنوعة. كما يعرض القسم الثروات الطبيعية في سلطنة عُمان، ونماذج من المحميات الطبيعية التي أُنشئت لحماية الكائنات البرية والبحرية المهددة بالانقراض، إلى جانب إبراز بعض التشريعات والخطط البيئية التي وضعتها سلطنة عُمان للحفاظ على البيئة وصون مكوناتها الطبيعية.

أما القاعة الثانية فهي قاعة “عُمان عبر العصور الجيولوجية”، التي تُعد نافذةً معرفية تسرد التاريخ الجيولوجي لسلطنة عُمان منذ بدايات الحياة على سطح الأرض قبل نحو 800 مليون سنة وحتى العصر الحديث، وذلك من خلال تسلسل علمي مدعّم بنماذج حقيقية من الأحافير التي توثّق المراحل المختلفة لتكوّن الأرض وتحوّلاتها.

ويُدهَش الزائر على وجه الخصوص بمشاهدة أحفورة شجرة صنوبر نادرة، يُقدَّر عمرها بنحو 260 مليون سنة، وقد اكتُشفت في وسط عُمان، لتشكّل شاهدًا جيولوجيًا فريدًا على العصور السحيقة التي مرّت بها المنطقة، ودليلًا ملموسًا على عمق التاريخ الطبيعي للأرض العُمانية.

صخرة الأمونيت اكتشفت في المضيبي ويعود تاريخها إلى 200 مليون سنة

وتعرض القاعة الثالثة: “تنوع حيوانات عُمان البرية” مشاهد غنية من الحياة البرية في سلطنة عُمان، من خلال عددٍ من الخزانات الزجاجية التي تضم نماذج محنّطة لحيوانات تعيش في البيئات العُمانية المختلفة.

ومن أبرز المعروضات: الوشق (عِناق الأرض) الذي اتُّخذ شعارًا للمتحف، إلى جانب المها العربي، والنمر العربي، والطهر العربي، وغيرها من الثدييات، فضلًا عن الزواحف والبرمائيات والحشرات، بما يعكس ثراء التنوّع الأحيائي في السلطنة.

كما خُصِّص في هذه القاعة ركنٌ للأصداف البحرية التي تزخر بها سواحل عُمان، ليُكمل صورة التنوّع الطبيعي بين البر والبحر، ويُبرز الترابط البيئي بين مختلف مكونات الطبيعة العُمانية.

ريبورتاج منشور في جريدة عمان عن متحف التاريخ الطبيعي. عدد 23 أكتوبر 1994

ومن ضمن القاعات المميزة التي يضمّها متحف التاريخ الطبيعي قاعة الحوت، التي تحتوي على هيكلٍ عظمي شبه كامل لحوت العنبر الصغير، والذي نفق في ولاية بركاء في عام 1986م.

ويُعد هذا الهيكل من أبرز معروضات المتحف وأكثرها جذبًا للزوار، إذ يصل وزن الحوت وهو حي إلى نحو (35) طنًا، ويُجسّد بوضوح ضخامة الكائنات البحرية التي تعيش في البحار العُمانية، كما يوفّر مادة علمية وتعليمية مهمّة للتعرّف على التركيب التشريحي لحوت العنبر ودوره في النظام البيئي البحري.

نموذج للهيكل العظمي الخاص بالحوت
نموذج للهيكل العظمي الخاص بالحوت

مجموعات الحفظ والأرشفة

بجانب قاعات العرض، يضم متحف التاريخ الطبيعي خمس مجموعات متخصصة للحفظ والأرشفة، تحتوي على نماذج حقيقية من النباتات، والأصداف، والحشرات، وهياكل الحيوانات البرية والبحرية، إضافة إلى المتحجّرات، وقد جرى تصنيف هذه المجموعات وفق أسس علمية دقيقة، حتى غدت تضم أفضل النماذج الممثلة للحياة الفطرية في سلطنة عُمان.

وقد شكّلت هذه المجموعات نواةً مرجعية للدراسات والبحوث المتعلقة بالتنوّعات البيئية؛ ما جعل المتحف مقصدًا للعلماء والباحثين وطلبة الدراسات العليا في مختلف المجالات الحيوية، وأسهم في دعم البحث العلمي وتعزيز المعرفة بالتنوّع الأحيائي العُماني وحفظه للأجيال القادمة.

أنشطة مختلفة

ينفّذ متحف التاريخ الطبيعي حزمةً متنوّعة من الأنشطة التوعوية والتعليمية؛ إذ يقيم معارض مؤقتة في أحد أركان المتحف، تهدف إلى تعريف الزوار بأحدث المستجدات والأنشطة التي يشهدها المتحف، أو عرض عينات جديدة جرى الحصول عليها وإضافتها إلى مجموعاته.

كما ينظّم المتحف معارض متنقلة تجوب مختلف محافظات السلطنة، وصولًا إلى المدارس البعيدة عن موقع المتحف، بهدف تعريف الطلبة بالمتحف ومقتنياته، وتعزيز الوعي العلمي والبيئي لديهم عبر عروض مبسّطة وتفاعلية.

وإلى جانب ذلك، يحرص المتحف على نشر كل ما هو جديد عن أنشطته اليومية وبرامجه عبر حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي، بما يوسّع دائرة التفاعل مع الجمهور ويعزّز حضوره المعرفي في المجتمع.

المراجع

  • جريدة عمان. عدد الاثنين 30 ديسمبر 1985
  • جريدة عمان. عدد الثلاثاء 31 ديسمبر 1985
  • تقرير بعنوان “متحف التاريخ الطبيعي مكنونات البيئة العمانية”، موقع وكالة الأنباء العمانية، 28 ديسمبر 2021
Your Page Title